والفرق بين التعبيرين ـ والله أعلم ـ راجع إلى سياق ورود الدعاء في كلا الموضعين فالدعاء في آل عمران جاء مسبوقاً بما هو معجز من أمر رزق مريم فكان ذلك موحياً لزكريا أن منقدر على إنزال الطعام والرزق في غير وقته قادر يهب الذرية ولو بعد حينها ثقة منه بالله وسروراً بما رآه من نعمه كرمه ورعايته جلّ وعلا.
جاء في مفاتيح الغيب : « إنّ زكريا لما رأى خرق العادة في حقّ مريم طمع في حقّ نفسه فدعا » (١) قال تعالى : ( ... كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّي لك هذا قالت هومن عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حسابٍ * هنالك دعا زكريّا ربّه ... ) (٢).
أمّا في الموضع الثانيمن دعائه فقد افتتحت به سورة مريم فكان مناسباً مع بدء السورة التذكير برحمة ربّه وبيان حاله وما كان من أمره في بداية السورة.
ونلحظ ثمة فروقاً بين سياقيالدعاء ين ـ في آل عمران ومريم ـ منها أنّه ختم دعاءه في آل عمران بقوله : ( إنّك سميع الدّعاء ) بمعنى « قابل الدعاء ومجيب له » (٣) في حين جاء في ختام دعائه في سورة مريم ( ولم أكن بدعائك ربّ شقيّاً ) أي : « لم أشق يا رب بدعائك لأنك لم تخيّب دعائي قبل إذ كنت أدعوك في حاجتي إليك بل كنت تجيب وتقضي » (٤) وكلا الختامين يدلّان على إجابة الدعاء وقدأجيب في آل عمران على لسان الملائكة وهوقوله تعالى : ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلّي في المحراب أنّ الله يبشّرك
__________________
(١) مفاتيح الغيب ١٩٥ : ٢١.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٣٧ ـ ٣٨.
(٣) مجمع البيان ٧٢ : ٢ ظ : التبيان ٤٥ : ٢.
(٤) جامع البيان ٤٦ : ١٦.