درجات الكبر ( عتيّاً ) وهو « حال اليبس والجفاف » (١) والله أعلم.
والناظر بالآيات وسياقها في السورتين يتبيّن الكثير من التفاوت بالتعبير والدلالات ومما يجدر ذكره أن دعاء زكريا في سورة مريم قد تضمّن من الآداب الدعائية ما يوجب أن تكون منهجاً وسبيلاً لكلّ داع وأوّل ما يشار إليه هنا صفة الدعاء التي امتدحها القرآن الكريم بقوله : ( إذ نادى ربّه نداء خفيّاً ) (٢).
ففي صفة الخفاء دلالة على قرب المدعو من الداعي ورعايته له فضلاً عن أن الإخفاء في الدعاء حالة حثّ القرآن عليها ورغّب فيها قال تعالى : ( ادعوا ربّكم تضرّعاً وخفيةً ... ) (٣).
ولا ريب في أن الاخفاء في الدعاء « أبعد من الرياء وأدخل في الإخلاص » (٤) لله تعالى من الإجهار والتصويت به « لأنّ رفع الصوت مشعر بالقوّة والجلادة وإخفاء الصوت مشعر بالضعف والانكسار وعمدة الدعاء الانكسار والتبرّي عن حول النفس وقوّتها والاعتماد على فضل الله تعالى وإحسانه » (٥) وفي خفاء الدعاء كذلك إشارة إلى عظيم « التضرّع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبّه ومقصوده » (٦).
ومن اللّافت للنظر في الآية أنّها جمعت بين النداء والخفاء في صفة
__________________
(١) التبيان ١٠٩ : ٧.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٣.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٥٥.
(٤) الكشاف ٣ : ٣.
(٥) مفاتيح الغيب ١٩٤ : ٢١.
(٦) بدائع الفوائد ٦ : ٣.