فالآية تصوّر أدق تصورير حال المجرمين وتشعر من بدئها بأداة الشرط (لو) التي جاء دخولها على المضارع دلالة على « استمرار الفعل » (١) فضلاً عن استعمال ضمير الخطاب في الفعل ( ترى ) للعموم دون الخصوص لأنّ أصل الخطاب أن يكون لمخاطب مخصوص أو معين وقد يترك فيراد به معنى العموم ودلالته. وهذا ما جاء في الآية حيث دلّ الخطاب « على العموم قصداً إلى تفظيع حال المجرمين وإن قد بلغت من الظهور إلى حيث يمتنع خفاؤها البتة فلا تخصّ رؤية راءٍ دون راء بل كلّ من يتأتّى منه الرؤية فله مدخل في هذا الخطاب » (٢) لوضوح صورة وحركة تنكيس الرؤوس وما فيها من الإشارة إلى الذلّة الدائمة التي يوحيها لفظ « ناكسوا » بصيغة اسم الفاعل فضلاً عن أن صدور الدعاء منهم بحالهم هذا ـ منكسين الرؤوس ـ توحي بالحسرة والندم وفوات الفرصة عليهم والله أعلم.
ومن جملة ما يتّضح للناظر المتفّحص لدعاء الكافرين هو دعاء بعضهم على بعض وبراءة بعضهم من بعض وتبادلهم الاتهام في تسبيب الغواية منأحدهم للآخر وهكذا ترى كلّ داعٍ منهم بطلب النجاة لنفسه ويوقع ما كان منه على غيره ويحتدم بين الدعاء شعورملؤه العذاب والألم والتفجّع ـ نستجير بالله تعالى ـ قال عزّ من قائل : ( يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرّسولا * وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا * ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً ) (٣). (٤)
__________________
(١) الإيضاح ١٨٥ : ١.
(٢) مفتاح العلوم : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ظ : الإيضاح ١١٤ : ١ البرهان ٢١٩ : ٢.
(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٦٦ ـ ٦٨.
(٤) ظ : الآيات التالية في السياق عينه : الأعرف : ٧ / ٣٨ القصص : ٢٨ / ٦٢ فصلت : ٤١ / ٢٩.