ومظاهر اشتراك الأمر والنهي واضحة (١) وليس عدها وإحصاؤها من اهتمامنا إلاّ أنّ ما يخصنا منها قيد الرتبة والاستعلاء اللذين يظهران المعنى الحقيقي لصيغتي الأمر والنهي ويخرجان عنهما مجازاً الالتماس والدعاء بمعنى أن الأمر والنهي لا يصدران إلاّ من العالي إلى الداني ويكاد أجلّة العلماء من الذين تعرّضوا لدراسة الأمر والنهي يتفقون على ذلك وأعني منهم الأصوليين والبلاغيين والنحاة. أما الأصوليون فقد تحدّثوا عن الأوامر والنواهي بقدر تعلّقها بالأحكام الفقهية وكيفية استنباطها من كتاب الله تعالى وهم يجمعون علةى الاحتراز في تعريفهم للأمر من خروجه إلى معانٍ أخرى لذا فكلمة الأمر « يجب ألاّ تطلق إلاّ إذا كان الآمر أعلى مرتبة من المأمور فإما إذا كان دون رتبته أو كان مساوياً له فإنه لا يقال أمره والنهي جارٍ مجرى الأمر في هذه القضية » (٢) وعلّة الاحتراز بهذا القيد ـ الرتبة والاستعلاء ـ هو خروج الأمر إلى الدعاء أو الالتماس « لأن الأمر يتعلق بالمأمور فإن كان المخاطب ممن يجوز أن يكون مأمور المخاطب كان آمراً وإن كان ممن لا يجوز أن يكون مأموره ولا يكون آمراً كقول الداعي : اللهّم اغفر لي وارحمني يكون سؤالاً ودعاءً لا أمراً » (٣) أما الباغيون فقد كانت الرتبة والاستعلاء محط نظرهم ومدار كلامهم
__________________
(١) ظ : معجم المصطلحات البلاغية وتطورها / أحمد مطلوب ٢٤٤ : ٣ صيغ الأمر والنهي في القرآن الكريم / محمد علي تقي الطحان : رسالة ماجستير (على الآلة الطابعة) : ١٨٧.
(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة / اسيد الشريف المرتضي ٣٥ : ١ ظ : أصول السرخسي ١١ : ١ أصول المظفر / محمد رضا المظفر ٣٨ : ١.
(٣) أصول السرخسي / السرخسي ١١ : ١ ظ : الإحكام في أصول الأحكام / الآ / دي ٢٠٤ : ٢ ولابدّ من القول إنّ الأصوليين دروسوا الأوامر والنواهي ضمن مباحثهم اللفظية وقد قسموا الأمر على قسمين : واجب ومندوب.