لذا فقد اشترطوهما في صدور الأمر والنهي الحقيقيين وخروج الدعاء عنهما مجازاً لكون كل من « صيغة الأمر والدعاء واحدة لأنّ كل واحد منهما طلب وإنّما يتفاوتان في الرتبة » (١) فمعنى تفاوتهما بالرتبة أن الدعاء يصدر بصيغة الخضوع ة التذلّل بعكس الأمر ـ والنهي ـ الحقيقي الذي يصدر بصورة القوة وبدلالة الوجوب في الائتمار. أما في كونهما دالّين على الطلب ـ فيخيل إليّ ـ أنّ ما يجري على الأمر يجري على الدعاء من حيث الصيغة والإعراب فضلاً عن ذلك أنّهما يجابان بجواب مجزوم على الطلب.
ويؤكّد البلاغيون على القرائن الدالّة في إطلاق صيغة الدعاء على الفعل الخارج عن الأمر لأنّ صيغة الأمر في حقيقتها « موضوعة لطلب الفعل استعلاء لتبادر الذهن عند سماعها إلى ذلك وتوقف ما سواه على القرينة » (٢) والقرينة التي نقصدها هي ما تؤيد بقاء المعنى على حقيقة أو خروجه عنها وتوليد معنى آخر يأخذ من الصيغة ـ الأولى الحقيقة ـ دلالتها العامة فضلاً عن دلالته الخاصة فصيغة الدعاء هي عينها صيغة الأمر تضمّنت مع دلالتها العمة ـ الطلب عموماً ـ دلالة خاصة هي الطلب على سبيل التضرّع والتلطّف إلى حد التذلّل. وبذلك يظهر أن صيغة الأمر تولد حسب قرائن الأحوال ما ناسب المقام فإذا استعملت على سبيل التضرّع كقولنا : « ( اللهّم اغفر وارحم ) ولّدت الدعاء » (٣) وما يقال عن الأمر يقال عن النهي لأن « النهي محذو به حذو الأمر في أن أصل استعمال ( لاتفعل ) أن يكون على سبيل الاستعلاء ... وإن استعمل على سبيل
__________________
(١) الكشاف ١٥ : ١ وأكد هذا المعنى الطبرسي عند تعريفه الدعاء بقوله « الدعاء طلب الفعل من المعو ونظيره الأمر والفرق بينهما يظهر بالرتبة » مجمع البيان ٧٦ : ١.
(٢) الإيضاح / القزويني ٢٤١ : ١.
(٣) مفتاح العلوم / السكاكي : ٤٥٣.