قال شيخُنَا : قَضِيَّتُه أَنّ المصادرَ السّابقة كُلَّها في جميع المعاني يُبْنَى منها الفعلُ بالوَجْهَيْنِ ، والّذي في الصِّحاح أَنَّ الجميعَ بالكَسْر ، ولا يُضَمُّ إِلّا في : سَبَت ، إِذا نامَ. قلتُ : وكذلك في : سَبَتَ اليهودُ ، فإِنّه يُرْوَى فِعْلُه بالوَجْهينِ كما تقدّم.
والسِّبْتُ ، بالكَسْرِ : جُلُودُ البَقَر مَدبوغَةً كانَتْ أَو غَيْرَ مَدْبُوغَةٍ كذا في المُحْكَم. ونقْلَه غيرُه عن أَبي زيد. وقال أَبو حَنِيفَةَ ، عن الأَصمعيّ وأَبي زيد : لا يكونُ السِّبْتُ إِلّا من جِلْدِ بقرِ مَدْبوغ.
والسِّبْتُ ، أَيضاً : كُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ ، أَو المدبوغُ بالقَرَظِ. وفي الصِّحاح : السِّبْتُ : جُلودُ البقَرِ المدبوغةُ بالقَرَظ. تُحْذَى مِنه النِّعالُ السِّبْتِيّةُ ، انتهى. وقال أَبو عَمْرٍو : كُلّ مدبوغٍ فهو سِبْتٌ. قيل : مأْخُوذٌ من السَّبْت ، وهو الخَلْق.
وفي الحديث : أَنّ النَّبيَّ ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، رأَى رَجُلاً يمشي بينَ القُبُورِ في نَعْلَيْهِ ، فقال : «يا صاحِبَ السِّبْتَيْنِ ، اخْلَعْ سِبْتَيْكِ» قال الأَصمَعيّ : السِّبْتُ : الجِلْدُ المدبوغُ ، قال : فإِن كانَ عَلَيْه شَعَرٌ ، أَو صُوفٌ (١) ، أَو وَبَرٌ ، فهو مُصْحَبٌ.
وقال أَبو عَمْرو : النِّعَالُ السِّبْتِيَّة : هي المدبوغة بالقَرَظ.
قال الأَزهريّ : وحديثُ النَّبيّ ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يدُلُّ على أَنّ السِّبْتَ ما لا شَعَرَ عليه ؛ وقالَ عَنْتَرَةُ :
بَطَلٌ كأَنَّ ثِيَابَهُ في سَرْحَةٍ |
|
يُحْذَى نِعَالَ السَّبْتِ ليس بَتَوْأَمِ |
مَدَحه بأَرْبَعِ خِصالٍ كِرام (٢) : أَحدهَا (٣) أَنّه جعله بطلاً أَي شجاعاً ، الثاني أَنَّه جعلَه طويلاً ، شَبَّهَه بالسَّرْحَة ؛ الثّالِث أَنّه جعله شريفاً لِلُبْسه نِعَالَ السِّبْتِ ؛ الرابع أَنّه جَعلَه تامَّ الخَلْقِ نامِياً ، لأَنَّ التَّوْأَم [يكون] (٤) أَنقصَ خَلْقاً وقُوَّةً وعَقْلاً وخُلُقاً. كذا في اللسان.
وفي الحديث : أَنّ عُبَيْدَ بْنَ جُرَيْج قال لابْنِ عُمَرَ : رأَيتُك تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ ، فقال : رأَيتُ النَّبِيَّ ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يَلْبَس النِّعالَ التي ليس عليها شَعَرٌ ، ويَتوَضَّأُ فيها ، فأَنا (٥) أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَها.
قال : إِنّمَا اعترضَ عليه ، لأَنَّها نِعالُ أَهلِ النَّعْمَة والسَّعَة. وفي التَّهْذِيب : كأَنّها سُمّيَت سِبْتِيَّةً ، لأَنّ شَعرَها قد سُبِتَ عنها ، أَي حُلِقَ وأُزِيلَ بِعِلاجٍ من الدِّباغ معلومٍ [عند دَبَّاغِيها] (٦) ومثلُه في الصِّحاح وقال ابنُ الأَعْرَابي : سُمِّيت النِّعَالُ المدبوغَةُ سِبْتِيَّةً ، لأَنّها انسبتَتْ بالدِّباغ أَي لَانَتْ ، وهو قول الهَرَوِيّ.
ومن المجاز : اخْلعْ سِبْتَيْك (٧). وأَرُوني سِبْتَيَّ ، كما في الأَساس. وهو مثل قولهم : فلانٌ يَلْبَس الصّوفَ والقُطْن والإِبْرِيسَمَ ، أَي الثِّيَابَ المتَّخذة منها ، كذا في النهاية.
ويُرْوَى : يا صاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ (٨) ، على النَّسَب. وهكذا وُجِدَ بخطّ الأَزهريّ في كتابه. وإِنّمَا أَمَرَه بالخَلْعِ احتراماً للمَقابر ، لأَنَّه [كان] (٩) يَمشِي بينها. وقيل : كان بها قذَرٌ ، أَو لاخْتِيَالِه في مَشْيِه. كذا في اللِّسان.
قلتُ : وعلى قولِ ابنِ الأَعرَابيّ ، والّذِي قبْلَه في التَّهْذِيب ، يَنبغي أَن يكون بفتح السِّين ، وكذا ما نقله ابنُ التِّين عن الدَّاوُوديّ أَنّهَا منسوبةٌ إِلى سُوقِ السَّبْتِ. وفي المنتَهى : أَنَّها منسوبةٌ للسُّبْت ، بالضَّمّ ، وهو نَبْتٌ يُدْبَغُ به ، فيكون بالفتح (١٠) ، إِلّا أَنْ يكون من تَغييرات النَّسَب. وأَوردَه شيخُنا.
والسُّبْتُ ، بالضَّمِّ : نَبَاتٌ كالخِطْمِيِّ ، عن كُراع ، ويُفْتحُ ؛ أَنشد قُطْربٌ :
وأَرْض يَحارُ بها المُدْلِجونَ |
|
تَرى السُّبْتَ فِيهَا كرُكْنِ الكثِيبِ |
والمُسبِتُ ، كمُحْسِنٍ : الَّذِي لا يَتَحرَّكُ ، وقد أَسْبَتَ. و: الدَّاخِلُ في يَوْمِ السَّبْتِ ، هكذا في سائر النُّسَخ ، والأَوْلَى «في السَّبْتِ» من غيرِ لفظِ «يوم» كما هو في
__________________
(١) كذا بالأصل واللسان ، وفي التهذيب : شعر وصوف. (٦) زيادة عن التهذيب.
(٢) الأصل واللسان ، وفي التهذيب : كريمة.(٣) كذا بالأصل والتهذيب واللسان «أحدها ... الثاني ... الثالث والرابع».
(٤) زيادة عن التهذيب.(٥) الأصل واللسان ، وفي التهذيب : وأنا.
(٧) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله سبتيك كذا في الصحاح والذي في النهاية نعليك ولعلهما روايتان».(٨) في التهذيب : «السِّبتين» وفي النهاية : السِّبتيين.
(٩) زيادة عن النهاية. (١٠) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله بالفتح كذا بخطه ولعل الصواب بالضم».