أقول : قال الشيخ في المبسوط : إذا قال : لا شربت لك ماء من عطش عقيب تعديد انعامه عليك ، كقوله : أحسنت إليك أو وهبتك كذا أو أعطيتك كذا وكذا ، تعلق الحكم بشرب مائه من عطش ، فان انتفع بغير الماء من ماله وأكل من طعامه ولبس ثيابه وركب دوابه لم يحنث ، لأنه إنما ينظر الى مخرج اليمين ويحنث صاحبها ويبر (٣٢) على مخرجها دون أسبابها ، وقال بعضهم : يحنث بكل (٣٣) حال ، والأول أقوى عندي ، لأصالة براءة الذمة ، والثاني قوي لفحوى الخطاب : هذا آخر كلامه ، وهو يدل على تردده.
والمعتمد : أن مبنى اليمين على نية الحالف ، فان قصد بيمينه رفع المنة انصرف الى كل ما فيه منه ، وإن لم يقصد شيئا احتمل صرفه إلى الحقيقة اللغوية وهو الماء فقط ، ويحتمل صرفه الى العرف وفحوى الخطاب فيصرف الى كل ما فيه منه ، لان حلفه بعد تعديد إنعامه عليه يدل على الامتناع عن كل ما يعد نعمة ، ويحصل فيه منة ، ولعل الأقوى عدم الحنث ، لأصالة براءة الذمة ما لم يتحقق اشتغالها ، وهو غير متحقق مع الاحتمال.
قال رحمهالله : أما التطيب ففيه التردد ، ولعل الأشبه : أنه لا يحنث بالاستدامة.
أقول : الأفعال على ثلاثة أقسام :
الأول : ما يحنث فيه بابتداء الفعل واستدامته ، مثل السكنى واللبس والركوب والغصب والجماع ، فاذا حلف : لا ساكنت فلانا وهو ساكن معه ، وجب الخروج على الفور ، (وإذا حلف لا لبست ثوب زيد وهو لابسه ، وجب نزعه على
__________________
(٣٢) في الأصل وفي «ن» : وهي.
(٣٣) كذا في النسخ وفي الأصل : لكل.