التطوع عندنا لا تسمى هبة ، بل بينها وبين الهبة فرق كثير ، لأن صدقة التطوع (٤١) بعد القبض لا يجوز الرجوع فيها ، والهبة يجوز الرجوع فيها ، وتردد المصنف في ذلك لافراد كل واحد من الهبة والصدقة والوقف باسم ، واليمين إنما تناول اسم الهبة فلا يدخل الوقف والصدقة (باسم فيها ، بل) (٤٢) وللمغايرة في الحكم أيضا ، لأن الوقف لا يجوز بيعه ولا هبته بخلاف العين الموهوبة ، ولأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان (٤٣) يقبل الهبة ويرد الصدقة ، ولأن المقصود من الصدقة التقرب الى الله تعالى وتحصيل الأجر ، والمقصود من الهبة تحصيل المودة ، فإذا حصل المغايرة في الاسم والحكم والغاية خرجا عن حد الهبة وهو قوي.
قال رحمهالله : إذا حلف لا يفعل لم يتحقق الحنث إلا بالمباشرة ، فإذا قال : لا بعت ، أو لا شربت ، فوكل فيه لم يحنث ، أما لو قال : لا بنيت بيتا فبناه البناء بأمره أو استئجاره ، قيل : يحنث نظرا الى العرف ، والوجه : أنه لا يحنث إلا بالمباشرة ، ولو قال : لا ضربت فأمر بالضرب لم يحنث ، وفي السلطان تردد ، أشبهه أنه لا يحنث إلا بالمباشرة ، ولو قال : لا أستخدم فلانا فخدمه بغير إذنه لم يحنث ، ولو توكل لغيره في البيع أو الشراء ففيه تردد ، والأقرب الحنث لتحقق المعنى المشتق منه.
أقول : إذا حلف لا يفعل ثمَّ باشر الفعل بنفسه حنث مطلقا ، سواء كان (مما جرت عادته) (٤٤) بمباشرة ذلك الفعل أو لا ، وإن فعله غيره بإذنه أو فعله هو نيابة عن غيره ، هل يحنث أم لا؟ البحث هنا في موضعين :
الأول : أن يفعله غيره بأمره ، فنقول : إن كان الحالف عادته (٤٥) مما يلي ذلك
__________________
(٤١) في الأصل : لأن الصدقة التطوع الهبة القربة ، وما أثبتناه من «م» و «ن».
(٤٢) في «ن» : فيها ، وفي «م» و «ر ١» : فيهما.
(٤٣) هذه الكلمة في «ر ١».
(٤٤) في «ن» بدل ما بين القوسين : ما جرت العادة.
(٤٥) هذه الكلمة ليست في النسخ.