وهو ضَرورةٌ من جِهة السَّماع. قال شيخنا : وقال بعضُ فقُهاءِ اللُّغة : الجُرْح ، بالضمّ : يكون في الأَبدانِ بالحَديد ونَحْوِه ؛ والجَرْحُ ، بالفتح : يكون باللّسان في المَعانِي والأَعراضِ ونحوِها. وهو المُتداوَلُ بينهم ، وإِن كانا في أَصلِ اللُّغة بمعنًى واحد.
والجِرَاحُ ، بالكسر : جَمْع جِرَاحَةٍ ، من الجَمْع الّذي لا يُفارِق واحِدَه إِلا بالهاءِ (١). وفي التّهْذيب : قال اللّيث : الجِراحةُ : الواحِدَةُ من طَعْنَةٍ أَو ضَرْبةٍ. قال الأَزهريّ : وقولُ اللّيث : الجرَاحَةُ : الواحِدَةُ ، خَطَأٌ ، ولكن [يقال] : (٢) جُرْحٌ وجِراحٌ وجِرَاحَة ، كما يقال : حِجَارَةٌ وجِمَالَةٌ وحِبَالَةٌ ، لجمع الحَجَرِ والجَمَلِ والحَبْل.
ورَجلٌ جَريحٌ وامرأَةٌ جَرِيحٌ ، ج جَرْحَى. يقال : رِجالٌ جَرْحَى ، ونِسْوَة جَرْحَى ، ولا يُجْمَع جَمْع السّلامة لأَن مؤنّثة لا يَدْخُلُه الهاءُ.
وفي التنزيل : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) (٣) جَرَحَ الشَّيْءَ كمَنع : اكْتَسَبَ وهو مجازٌ كاجْتَرَحَ. يقال : فُلان يَجْرَحُ لِعيالِه ويَجْتَرِحُ ويَقْرِشُ ويَقْتَرِش بمعنًى. وفي التنزيل : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) (٤) أَي اكْتَسبوا. وفي الأَساس : وبِئْسَما جَرَحَتْ يَداك ، واجْتَرَحَتْ ، أَي عَمِلتَا وأَثَّرَتَا. وهو مُستعار من تأَثيرِ الجَارِح.
وفي العِنايَة للخَفاجيّ أَنه صارَ استعارةً حَقِيقَةً فيه (٥).
ومن المجاز جَرَحَ فُلاناً بلِسانه. إِذا سَبَّه. وفي نُسخِةٍ : سَبَعَه وشَتَمه. ومن ذلك قولهم :
جَرَّحُوه بأَنياب وأَضْراسِ
شَتَموه وعابُوه. ومن المَجاز : جَرَحَ الحاكمُ شاهِداً : إِذا عَثَرَ منه على ما أَسْقَطَ به عَدَالَتَه من كَذِبٍ وغيرِه. وقد قيل ذلك في غيرِ الحاكم ، فقيل : جَرَحَ الرَّجُلَ : غَضَّ شَهادَته.
وفي الأَساس : ويُقال للمشهور عليه : هل لك (٦) جُرْحَة؟ وهي ما تُجْرَح به الشّهادةُ. وكان يقولُ حاكمُ المدينةِ للخَصْم إِذا أَرادَ أَنْ يُوجِّه عليه القَضاءَ : أَقْصَصْتُك الجُرْحَةَ ، فإِنْ كان عندك ما تَجْرَحُ به الحُجَّة [الّتي تَوجَّهتْ عليكَ (٧) فهَلُمَّها : أَي أَمكنْتُك من أَن تَقُصَّ ما تَجْرَحُ به البَيِّنةَ.
ويقال : جَرِحَ (٨) الرّجلُ كسَمعَ : أَصابَتْه جِرَاحةٌ. وجَرِحَ الرَّجلُ أَيضاً : إِذا جُرِحَتْ شَهادتُه وكذا رِوايَتُه ، أَي رُدَّتْ ووُجِّهَ إِليه القَضَاءُ.
والجَوارِحُ : إِناثُ الخَيْلِ ، واحدتُها جَارِحةٌ لأَنَّها تُكْسِب أَرْبابَها نِتاجَها ، قاله أَبو عَمْرٍو ، كذا في التهذيب.
ومن المجاز : الجَوارِحُ : أَعْضاءُ الإِنسانِ التي تَكْتَسِبُ وهي عَوامِلُه من يَدَيْهِ ورِجْليه ، واحدتُها جارِحةٌ ، لأَنهنّ يَجْرَحن الخيرَ والشّرَّ ، أَي يَكْسِبْنَه. قلت : وهو مأَخوذٌ من جَرَحَتْ يَداه واجْتَرَحَت.
والجَوارِح : ذَواتُ الصَّيْدِ من السِّباعِ والطَّيْرِ والكِلاب ، لأَنّها تَجْرَحُ لأَهْلِها ، أَي تَكْسِبُ لهم ، الواحدة جارِحَةٌ.
فالبازِي جارِحَةٌ ، والكَلْب الضّاري جارِحةٌ. قال الأَزهريّ : سُمِّيتْ بذلك لأَنها كَوَاسِبُ أَنْفُسِها ، من قولك : جَرَحَ واجْتَرَحَ. وفي التنزيل : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) (٩) أَراد : وأُحِلّ لكم صَيْدُ ما عَلَّمْتم من الجَوارِح ، فحذفَ لأَنّ في الكلام دليلاً عليه.
ويُقال : ما له جارِحةٌ ، أَي ما لَه أُنْثَى ذَاتُ رَحِمٍ تَحْمِلُ ؛ وما له جارِحةٌ ، أَي ما له كاسِبٌ.
وجَوارِحُ المالِ : ما وَلَد. يقال : هذه الفَرسُ والنَّاقَةُ والأَتَان مِن جَوارِحِ المالِ ، أَي أَنّها شابَّةٌ مُقْبلةُ الرَّحِمِ ، والشَّبَابُ يُرْجَى وَلَدُها.
ومن المجاز : قد اسْتَجْرَحَ الشّاهدُ. الاسْتِجْراحُ : النُّقصانُ والعَيْبُ والفَسادُ ، وهو منه ، حكاه أَبو عُبيدٍ.
__________________
(١) عبارة اللسان : والجمع ... فإِما أن يكون مكسّراً على طرح الزائد ، وإِما أن يكون من الجمع الذي لا يفارق واحده إِلا بالهاء.
(٢) زيادة عن التهذيب.
(٣) سورة الأنعام الآية ٦٠.
(٤) سورة الجاثية الآية ٢١.
(٥) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله استعارة حقيقة كذا في النسخ ولعل الصواب إِسقاط استعارة أو يقول أنه استعارة وصار حقيقة ، وليراجع».
(٦) في الأساس : معك بدل لك.
(٧) زيادة عن الأساس.
(٨) ضبطت في التكملة بفتح الراء وإِسكانها.
(٩) سورة المائدة الآية ٤.