أقول : إذا ادعى وصية مجهولة سمعت دعواه قطعا ، وكذا لو أقر له عند الحاكم أو عند الشهود بمجهول ، كان له المطالبة بما أقر له بلا خلاف ، أما غير ذلك كدعوى الفرس والثوب المجهولين ، فهل تسمع أم لا؟ قال الشيخ : لا تسمع ، لعدم فائدتها ، وهو حكم الحاكم بها لو أجاب بنعم ؛ لأن الحكم بالمجهول غير جائز. ثمَّ اعترض على نفسه بصحة الإقرار بالمجهول ، ثمَّ أجاب بالفرق بأنه لو طالبناه بالتفصيل ربما رجع ، بخلاف المدعي فإنه لا يرجع عند مطالبته بالتفصيل.
واختار المصنف في المختصر والعلامة وابنه وأبو العباس السماع ؛ لأن المدعى ربما يعلم حقه بوجه ما ، كما لو علم أن له عنده فرسا أو ثوبا ولا يعلم شخصها ولا صفتها ، فلو لم يجعل له الشارع طريقا الى الدعوى لبطل حقه ولزم (١٨) الحرج ، فتصح الدعوى المجهولة ويستفسره الحاكم كما يستفسره عن الإقرار المجهول.
والشهيد رحمهالله اختار مذهب الشيخ وهو عدم سماع الدعوى المجهولة ، بل لا بد من ضبط المثلي بصفاته ، والقيمي بقيمته ، والأثمان بجنسها ونوعها وقدرها.
قال رحمهالله : ولا بد من إيراد الدعوى بصيغة الجزم ، فلو قال : أظن أو أتوهم لم يسمع ، وكان بعض من عاصرناه يسمعها في التهمة ويحلف المنكر ، وهو بعيد من شبهة [ شبه ] الدعوى.
أقول : اشترط المصنف إيراد الدعوى بصيغة الجزم ، والشرط إنما هو الجزم في الإيراد لا الجزم في نفس الأمر ، بمعنى أنه إن لم يكن جازما في نفس الأمر حرمت عليه الدعوى ، فان من المعلوم إذا كان للإنسان بينة تشهد له بالحق وهو
__________________
(١٨) في الأصل : الزم.