عصير البرتقال ، رغم انهم يتناولون منه كؤوساً عديدة قد تصل إلى العشرة في اليوم الواحد ، وعبثاً أُحاول إِيضاح الأمر لهم وتبيان الطريقة التي يحققون بها الفائدة من هذا العصير ، فهم لا يستطيعون الاقتناع بأن كأساً واحدة تفيد أكثر مما تفيدهم عشرة كؤوس . . انهم يحسبون الأمر كماً وينسون حقيقته كيفاً .
وأراني الآن ، وأنا أضع هذا الفصل من الكتاب ، أُواجه حرجاً غير ضئيل ، إِذ كيف أستطيع شرح الأمر لقرائي ، وإيضاح الحقيقة لهم من غير أن أصدمهم فيما يعتقدونه عن فاكهتهم المفضلة وعصيرها الذهبي الضارب إلى الوردي .
كيف استطيع أن أُحدد الفارق الدقيق بين مردود « الكثير » ومردود « القليل » .
كيف أستطيع أن اُفسر لماذا تكون فائدة قليل من عصير البرتقال مؤكدة مثلما يكون ضرر كثير منه مؤكداً ؟ . .
لقد قالت العرب : « قليل من السم ينفع » . . مع أننا نعرف أن السم عقار (١) قاتل . . ومع أنه لا وجه للمقاومة « العلمية » بين السم وبين عصير البرتقال ، إِلا ان هذا المثل يعتبر خير تفسير لذلك الفارق الذي حرت في كيفية إِيضاحه . . للفارق بين قلة تنفع وكثرة تضر . . .
وأَراني قبل ، ان اضع الأمر امام عقل القارئ وعينيه ، مضطراً إلى تنبيهه وجوب التمعن فيما اقول ، وإِلى فهمه على حقيقته ، فلا يبالغ في تقدير الخطر ، لا ولا يستهين به ، وإِنما ينظر إِليه ـ هكذا أتمنى ـ كما يجب أن ينظر من غير زيادة ولا نقصان .
لقد قام كل من الدكتور « يغلي » والدكتور « كاير » بدراسة أثر عصير البرتقال على المصابين بالقرحة الاثني عشرية في احد مستشفيات شمالي كارولينا ، فوقع اختيارهما على واحد وخمسين مصاباً بالقرحة ليكونوا وسيلة للدراسات . .
______________________
(١) العقاقير : اخلاط الدواء ، واحدها العقار ، سُمِّيَ بذلك لأنه كأنه عقَر الجوف . ( معجم مقاييس اللغة ) .