وقد يعمد المفسر احياناً إلى تسليط الاضواء على جوانب من المفردة القرآنية ، ويشبعها بحثاً بعد ان يجمع الاشتات ، فيكون منها صوراً مختلفةً ، قد تتباين احياناً لتؤدي اكثر من معنى من خلال استعمالاتٍ متعددةٍ ، تقتضيها طبيعة السياق والصياغة القرآنية ، كما في قوله تعالى : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) ١. اذ نجد الشيخ الطوسي يفترض اشكالا على النص بغية استجلاء الحقيقة وابرازها فيقول :
فان قيل : كيف يجمع بين قوله : (وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ٢ وقوله :
( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ) ؟ ثم يجيب الطوسي على هذا الاشكال الذي افترضه بقوله :
|
قلنا فيه قولان : احدهما : انه نفى ان يسالهم سؤال استرشادٍ واستعلامٍ ، وانما يسالهم سؤال توبيخ وتبكيتٍ. الثاني : تتقطع المسالة عند حصولهم على العقوبة ، كما قال : (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ) وقال في موضع اخر : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) ٣ والوجه ما قلناه : انه يسالهم سؤال توبيخ قبل دخولهم في النار ، فاذا دخلوها انقطع سؤالهم ٤. |
ثم ياتي الشيخ الطوسي بالعديد من الآيات القرآنية الكريمة التي تعرضت لموضوع السؤال فيصنفها تصنيفاً رائعاً ويضع كلّاً منها في مكانه الطبيعي الذي تتجلى من خلاله روعة النص القرآني واسلوب التعبير الفني الذي جاءت به الآيات البينات فيقول :
|
وقوله : (وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ٥ المراد به لايسالون سؤال استعلام واستخبارٍ ليعلم ذلك من قولهم ، لانه تعالى عالم باعمالهم قبل خلقهم ، واما قوله : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) وقوله : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ٦. فهو |
__________________
١. الأعراف ( ٧ ) الآية ٦.
٢. القصص ( ٢٨ ) الآية ٧٨.
٣. الصافات ( ٣٧ ) الآية ٢٤.
٤. انظر التبيان ، ج ٤ ، ص ٢٤٩.
٥. القصص ( ٢٨ ) الآية ٧٨.
٦. الحجر ( ١٥ ) الآية ٩٢.