الحركة العلمية شوطاً بعيداً عندما أَوقف قرية على كاغد الفقهاء ١ ، هذا إلى جانب ماكان يقدم عليه المحسنون في بغداد من إنشاء المدارس ، ثم يوقفون عليها بعض أملاكهم لسد حاجات المدرسين والطلبة ٢.
كل هذه الأُمور أوجدت حركةً ثقافيةً وعلميةً ممتازةً في بغداد شجعت طلاب المعرفة إلى الهجرة إليها والاستزادة من علوم المدارس فيها ، وكان شيخنا الطوسي واحداً من بين العديدين من أولئك الذين آثروا الهجرة إلى بغداد والدراسة فيها.
ولم يكتب لهذه الحياة الرغيدة أن تدوم إذ تكدر صفو الأمن والهدوء في بغداد ، حيث إن الازدهار الثقافي والحركة العلمية التي تمت في أجواء الحريّة كانت قد أوجدت ردة فعلٍ معاكسةٍ وخطيرةٍ في نفوس السلفيين الذين جهدوا للحيلولة دون نمو التيار العقلي واستطاعوا فعلاً إقناع السلطة الحاكمة آنذاك لأن تضيق على رجال العلم وطلبة العلوم العقلية بعد أن صدّقوا مقولات السلفيين فيهم ، وعندها بدأت سياسة الإرهاب والكبت تأخذ طريقها إلى أكثر قطاعات الأُمّة على أوسع نطاقٍ ، بعد أن صعّد السلفيون من حملتهم على طلبة العلوم واعتبروهم خطراً على الدين ، فأصبح اضطهادهم ومطاردتهم أمراً يتمّ تحت أعين السلطة وعلمها ، حيث بعث الخليفة القادر باللّه ( ٣٨١. ٤٢٢ ) إلى السلطان محمود الغزنوي ٣ في بلاد فارس عام ٤٠٨ ه ، يأمره ببث السنة بخراسان ٤.
ففعل ذلك وبالغ وقتل جماعة ونفى جماعة من المعتزلة ٥ ، والرافضة ٦
__________________
١. الأفندي ، رياض العلماء ، ج ٢ ، ص ٢٢٢.
٢. خدابخش ، الحضارة الإسلاميّة ، ص ١٧٢.
٣. محمود شريف ، العالم الإسلامى في العصر العباسى ، ص ٤٧٤ ، حسن إبراهيم ، تاريخ الإسلام السياسي ، ج ٣ ، ص ٨٧.
٤. القزويني ، آثار البلاد ، ص ٣٦١.
٥. المعتزلة : هم أصحاب واصل بن عطاء الغزال الذي اعتزل مجلس الحسن البصري حول مسأله مرتكب الكبيرة ، والقائل المنزلة بين المنزلتين ، ويدعي المعتزلة بأصحاب العدل والتوحيد والقدريه ، انظر الشهرستاني ، الملل والنحل ، ج ١ ، ص ٥٧.
٦. الرافضه : هم الذين رفضوا إمامة أبي بكر وعمر ، كما وأنه اسم يطلق على الذين رفضوا إمامة زيد بن علي