وقد لقيت المدارس النظاميّة موجة من المقاومة أثارها الحنابلة ١ ، لأن تلك المدارس كانت تدعو للمذهب الشافعي ، فاشتدّ الصراع بين المذهبين ، وأصبحت بغداد كغيرها من الأمصار الإسلاميّة ميداناً للخلافات المذهبية التي عصفت بالهدوء والنظام معاً.
أما شيخُنا الطوسي فقد اضطر إلى الهجرة باتجاه النجف الأشرف بعد ما رأى الخطرمحدقاً به ٢ ، حيث توسعت الفتنة لتشمل شيخ الطائفة وأصحابه ، فاحرقوا كتبه وكرسيه الذي كان يجلس عليه.
يقول ابن الأثير الجزري في التاريخ الكامل في حوادث سنة ٤٤٩ ه :
|
نهبت دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ ، وهو فقيه الإماميّة ، وأخذ مافيها ، وكان قدفارقها إلى المشهد الغروي. |
ويبدو أن كتب الشيخ الطوسي قد اُحرقت عدة نوبٍ بمحضرٍ من الناس في رَحبةِ جامع النصر.
وفي عام ٤٤٩ ه ـ كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلّم الشيعة بالكرخ ، وأُخذ ماوجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام ، واُخرج إلى الكرخ ، وأُضيف إليه ثلاثة سناجق ٣ بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة فأُحرق الجميع ٤.
وهناك في مدينة النجف الأشرف استقر الطوسي ، حيث وجد فيها حركةً علميةً ، فسعى إلى تنميتها ، وقد تمكن بعد سنواتٍ قليلةٍ من أن يجعل هذه المدينة مركزاً للتخصص في الفقه والأُصول ، بعد أن أنشأ الحوزة العلمية فيها والتي تحولت بفضلها إلى واحدة من اكبر الجامعات الإسلاميّة في العالم.
ولعلّ أهمّ مايثير انتباه الباحث في دراسته لأحوال الشيخ الطوسي ، هو إصراره على
__________________
١. متز ، الحضارة الإسلاميّة ، ج ١ ، ص ٣٧٦.
٢. الطوسي ، الأمالي ، ج ١ ص ١٣.
٣. السنجق : بكسر السين المهملة هو اللواء وجمعه سناجق زنة فاعل.
٤. ابن الجوزي ، المنتظم ، ج ٨ ، ص ١٧٣.