بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
وبعد : فقد كان القرآن الكريمُ ولايزال موضعَ احترامِ المسلمين وتقديسهم ، فمنه يستمدّون أُسُسَ اعتقاداتهم ، ويستلهمونَ من آياته ماتصلحُ به أُمورُ دينهم ودنياهم ، وينهلون من فيضه قِيمَهم وأفكارَهم ومعاييرَ سلوكِهم ، فنشأتِ العلاقةُ بين القرآن والإنسان المسلم على هذا الأساسِ ، وظلّت تتعمّقُ الصلات بينهما وتتجذّر الأَواصِرُ بتناسبٍ طردي مع وَعْي الإنسانِ والتزامِه.
ولقد استطاع القرآنُ الكريمُ أن يقفزَ بالمؤمنين به قفزاتٍ عملاقةً على صَعيدِ الفكر والسلوك والبناءِ الحضاريّ والمحتوى الداخلي للإنسانِ ؛ وبالتالي فقد جعل منهم أُمةً وسطاً شاهدةً على الخلقِ ، ونصبَ من العاملين به خلفاءَ لله على أرضه وحُجَجاً على عباده.
وارتبط المسلمون بهذا الدستور الإلهي أيّما ارتباطٍ ، ومنحوه من العنايةِ والاهتمام ماوسِعَتْهم الحيلةُ وأسعَفَهُم الجهدُ والإمكان ، ولذلك انصبّت جُهودُ العلماء على اكتشاف خزائنِ عطائه وكنوزِ خيراته من خلال توضيح معانيه واستنطاقِ آياتِه واستجلاءِ حقائِقِهِ وتبيانِ مفاهيمه ، وتنافسوا في ذلك مستفرغين الوُسْعُ ، فتشعّبتْ مذاهبُهم وأتحفوا المكتبة