وقد أثر هذا الاتجاه تاثيراً خاصّاً في استحصال التحليل الذي لايدع النصَّ مخلقاً أو مطوّياً على نفسه دون الاستفادة بكل ما فيه من إيثار لفظةٍ على اُخرى أو حرف على آخر ١ ، ولعل أوّل من حفز على انتهاج هذا السبيل هو ابن عباس حينما قال : إذا سالتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر ، فإنّ الشعر ديوان العرب ٢.
يقع التبيان في عشرة مجلدات ضخمة تحتوي على (٥٣١٢) صفحةً ، وقد افتتح الشيخ الطوسي تفسيره بمقدمةٍ قصيرة أشار فيها إلى الأسباب التي دعته أن يكتب هذا التفسير ، حيث قال :
|
ان الذي حملني على الشروع في عمل هذا الكتاب ، إني لم أجد أحداً من أصحابنا ـ قديماً وحديثاً ـ من عمل كتاباً يحتوي على تفسير جميع القرآن ، ويشتمل على فنون معانيه ، وإنّما سلك جماعةٌ منهم في جميع مارواه ونقله وانتهى إليه في الكتب المروية في الحديث ، ولم يتعرض أحدٌ منهم لاستيفاء ذلك وتفسير مايحتاج إليه ، فوجدت من شرع في تفسير القرآن من علماء الأُمة ، بين مطيل في جميع معانيه ، واستيعاب ماقيل فيه من فنونه كالطبري وغيره ، وبين مقصّرٌ اقتصر على ذكر غريبه ومعاني ألفاظه ، وسلك الباقون المتوسطون في ذلك مسلك ماقويت فيه منتهم ، وتركوا مالامعرفة لهم به ، فإنّ الزجاج والفراء ومن اشبههما من النحويين افرغوا وسعهم في الإعراب والتصريف ، ومفضل بن سلمة وغيره استكثروا من علم اللغة واشتقاق الألفاظ ، والمتكلمين كأبي علي الجبائي وغيره صرفوا همتهم إلى مايتعلق بالمعاني الكلامية ، ومنهم من أضاف إلى ذلك الكلام في فنون علمه ، فأدخل فيه مالايليق به من بسط فروع الفقه واختلاف الفقهاء كالبلخي وغيره ، وأصلحُ من سلكَ في ذلك مسلكاً جميلاً مقتصداً محمد بن بحر أبومسلم الإصفهاني وعلي بن عيسي الرماني ، فإنّ كتابيهما أصلح ماصنّف في هذا |
__________________
١. السيد خليل ، دراسات في القرآن ، ص ٧٠.
٢. القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، ط ٢ ، ج ١ ، ص ٢٤.