إليه ، وبه عَيْنٌ تَحْتَ كَهْفٍ يَزُورُونَه ، وقَدْ نُسِبَ إِليه جَمَاعَةٌ من المُحَدِّثين ، والعَجَبُ من المصنِّف كيف تَرَكَ ذِكْرَه ، مع أَنّه يُورِدُه اسْتِطْرَاداً في مَوَاضِعَ من كتابِه.
[نتس] : ومِمّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه :
نَتَسَهُ يَنْتِسُه نَتْساً : نَتَفَه : أَهْمَلَه الجَمَاعَةُ ، وأَوْرَدَه صاحِبُ اللِّسَانِ هكذا. قلتُ : ونقلَه أَيضاً ابنُ القَطّاعِ ، وقال : بالسِّين والشّين.
[نجس] : النَّجْسُ ، بالفتح ، وبه قَرَأَ بَعْضُهُم. إِنّما قَيَّدَه لِجَمْعِ اللُّغَاتِ الَّتِي يَذْكُرها بَعْدُ وهي النِّجْسُ ، بالكسر ، قالَ أبو عُبَيْدٍ : زعم الفَرَّاءُ أَنَّهُم إِذَا بَدَءُوا بالنَّجَسِ ولم يَذْكُرُوا الرِّجُسَ ، فَتَحُوا النُّونَ والجِيمَ ، وإِذا بَدءُوا بالرِّجْسِ ثُمَّ أَتْبَعُوه بالنّجس ، كَسَرُوا النونَ ، فهُمْ إِذا قالُوه مع الرِّجْسِ أَتْبَعُوه إِيّاه ، وقالُوا : رِجْسٌ نِجْسٌ ، كَسَرُوا لمَكانِ رِجْس ، وثَنَّوْا وجَمَعُوا ، كما قالُوا : جاءَ بالطِّمِّ والرِّمِّ ، فإِذا أَفْرَدُوا قالُوا : بالطَّمِّ ، ففَتَحُوا. قَالَ ابنُ سِيدَه : وكذلِكَ يَعْكِسُونَ فيَقُولُونَ : نِجْسٌ رِجْسٌ ، فيَقُولُونها بالكسرِ ، لمَكانِ رِجْسٍ ، الذي بَعْدَه ، فإِذا أَفْرَدُوه قالُوا : نَجَسٌ ، وأَمّا رِجْسٌ مُفْرَداً ، فمَكْسُورٌ على كُلِّ حالٍ ، هذا على مَذْهَبِ الفَرّاءِ. قال شَيْخُنا : واعْتَمَدَ الحَرِيرِيُّ في دُرَّةِ الغَوَّاصِ أَنه لا يَجِيءُ إِلاّ إِتْبَاعاً لِرِجْسٍ ، والحَقُّ أَنَّه أَكْثَريُّ ، لقرَاءَةِ ابنِ حَيْوَةَ به في : (إِنَّمَا المُشْركُونَ نِجْسٌ) (١). قلتُ : وهو أَيْضاً قراءَةُ الحَسنِ بنِ عِمْرَانَ ونُبَيْحٍ وأَبِي وَاقِدٍ والجَرّاحِ وابنِ قُطَيْبٍ ، كما صَرَّح به الصّاغانِيُّ في التَّكْمِلَة والعُبَابِ ، والمُصَنِّف في البَصَائِر.
والنَّجَسُ بالتَّحْرِيك. والنَّجِسُ ، ككَتِفٍ ، وبه قَرَأَ الضَّحَاكُ ، قِيلَ : النَّجَسُ بالتَّحْرِيكِ يكونُ للواحِدِ والاثْنين والجَمْعِ والمؤنَّثِ ، بلُغةٍ وَاحدَةٍ ، رجُلٌ نَجَسٌ ، ورجُلانِ نَجَسٌ ، وقَوْمٌ نَجَسٌ. قال الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ) نَجَسٌ فإِذا كَسَرُوا ثَنَّوْا وجَمَعُوا وأَنَّثُوا فقالُوا : أَنْجَاسٌ ونَجِسَةٌ. وقال الفَرّاءُ : نَجَسٌ ، لا يُجْمَع ولا يُؤَنَّث. وقال أَبو الهَيْثَمِ في قَوْلِه تَعالَى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ) نَجَسٌ ، أَي أَنْجَاسٌ أَخْبَاثُ. والنَّجُسُ مثْلُ عَضُدٍ ، قال الشِّهَابُ الخَفَاجيُّ ، كما وُجِدَ بخَطِّه ، بَعْدَ ما سَاقَ عِبَارَةَ المُصَنِّف هذه ، أَقول : بَيَّنَ أَنَّ نُونَه تُفْتَح وتُكْسَر مع سُكُونِ الجِيم ، بقَرِينَةِ قولِه «وبالتَّحْرِيك» أَي تَحْرِيكِ الجيمِ بفَتْحٍ ، لأَنّ التَّحْرِيك المُطْلَقَ ينصرفُ للفَتْحِ عنْدَ اللُّغَويِّينَ والقُرَّاء ، واسْتَغْنَى عن التَّصْرِيحِ بالسُّكُون ، لِدَلَالَة مَفْهُومِ التَّحْرِيك ، مع أَنّه الأَصْلُ ، فحاصِلُه أَنَّ فيه خَمْسَ لُغَاتِ : فَتْح النُّون وكَسْرهَا مع سُكُونِ الجيم ، والحَرَكَات الثَّلاث في الجِيم مع فَتْحِ النُّون. وتَوْضِيحُه ما في العُبَاب ، وعبارته : النَّجَسُ ، بفتحتين ، والنَّجِسُ ، بفتحٍ فكسرٍ ، والنَّجُسُ ، بفتحٍ فضَمٍّ ، والنَّجْسُ ، بفتحٍ فسُكونٍ ، والنِّجْسُ بكسرٍ فسُكُون : ضِدُّ الطاهِرِ ، وقد نَجُسَ ثَوْبِه ، كسَمِعَ وكَرُمَ ، نَجْساً ونَجَاسَةً.
وقال الرّاغبُ في المُفْرَدات ، وتَبِعَه المصنِّف في البَصَائِر : النَّجاسَةُ ضَرْبَانِ (٢) : ضَرْبٌ يُدْرَكُ بالحَاسَّةِ ، وضَرْبٌ يُدْرَك بالبَصِيرَةِ ، وعلى الثّانِي وَصَفَ الله به المُشْرِكِينَ في الآيَة المُتَقَدِّمة. قلْتُ : وذكرَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّه مَجَازٌ.
وأَنْجَسَهُ غَيْرُه ونَجَّسَه تَنْجِيساً نجَّسَ ، والفُقَهَاءُ يُفَرِّقُون بَيْنَ النَّجِسِ والمُتنَجِّسِ ، كما هو مُصَرَّحٌ به في مَحَلِّه.
وفي الحَدِيثِ ، عن الحَسَنِ ، في رَجُلٍ زَنَى بامْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا ، فقال : «هُو أَنْجَسَهَا وهو أَحَقُّ بهَا». ودَاءٌ نَاجِسٌ ونَجِيسٌ ، ككَرِيم ، وكذا داءٌ عُقَامُ ، إِذا كان لا يُبْرَأُ منه. وقال الزَّمَخْشَرِيُّ : أَعْيَا المُنَجِّسِين. قال الشاعِر :
وداءٌ قَدَ أَعْيَا بالأَطبَاءِ ناجِسُ (٣)
وقال ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ :
والشَّيْبُ دَاءٌ نَجِيسٌ لا شِفَاءَ لَهُ |
|
للْمَرْءِ كَانَ صَحِيحاً صائِبَ القُحَمِ (٤) |
وتَنَجَّسَ : فَعَلَ فِعْلاً يَخْرُجُ (٥) به عَنِ النَّجَاسَةِ ، كما قيل : تَأَثَّمَ وتَحَرَّجَ وتَحَنَّثَ ، إِذا فَعَل فِعْلاً يَخْرُجُ به عن الإِثْمِ والحَرَجِ والحِنْثِ.
والتَّنْجِيسُ : اسمُ شَيْءٍ كانَت العَرَبُ تَفْعَلُه : وهو تَعْلِيقُ شيْءٍ من القَذَرِ أَوْ عِظَام الموْتَى أَو خِرْقَة الحائضِ ، كان يُعَلَّقُ علَى مَن يُخَافُ عَلَيْه من وَلُوعِ الجِنِّ بِه ، كالصِّبْيَان وغيرِهم ، ويَقُولُون : الجِنُّ لا تَقْرَبُهَا. وعِبَارَة الصّحاحِ :
__________________
(١) سورة التوبة الآية ٢٨.
(٢) نص المفردات : النجاسة : القذارة ، وذلك ضربان.
(٣) عجز بيت لأبي ذؤيب كما في الأساس وصدره فيها :
لشانئه طول الضراعة منهُمُ
وقد نبه إلى ذلك بهامش المطبوعة المصرية.
(٤) بعده في الأساس : أي هو داء عياء للرجل الصحيح الجلد الذي إذا تقحم في الشدائد صاب فيها ولم يخطىء.
(٥) على هامش القاموس عن نسخة ثانية : تحرّج.