وشَهْرُ رَمَضَانَ ، مُحَرَّكَةً ، مِنَ الشُّهُورِ العَرَبِيَّةِ م معروف ، وهو تاسعُ الشهورِ. قال الفرّاءُ : يُقَال : هذا شَهْرُ رَمَضَانَ ، وهما شَهْرَا رَبِيعٍ ولا يُذْكَر الشَّهْرُ مع سائِر أَسماءِ الشُّهورِ العَرَبيّة. يقال : هذا شعبانُ قد أَقْبَلَ ، وشاهِدُه قوله عَزَّ وجَلَّ : (شَهْرُ) رَمَضانَ (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (١) ، وشاهِدُ شَهْرَيْ رَبيعٍ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ :
به أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبيعٍ كِلَيْهمَا |
|
فَقَدْ مَارَ فيهَا سِمْنُهَا (٢) واقْترارُهَا |
قلتُ : وكذلك رَجَبٌ فإِنَّهُ لا يُذْكَر إِلاّ مُضَافاً إِلى شَهْرٍ ، وكَذَا قَالُوا الَّتِي تُذْكَرُ بلَفْظ الشَّهْر هي المَبْدُوءَة بحَرْف الرّاء ، كما سَمعْتُه من تَقْرير شَيْخِنَا المَرْحُوم السّيّد مُحَمّد البُلَيْديّ الحَسَنِيّ ، رَحِمَهُ الله تعالى ، وأَسكَنه فَسِيحَ جَنَّته ، قُلْتُ : وقد جاءَ في الشِّعر من غَيْر ذكْر الشَّهْر قال :
جَارِيَةٌ في رَمَضَانَ الماضِي |
|
تُقَطِّعُ الحَديثَ بالإِيماضِ |
قال أَبو عُمَرَ المُطَرِّزُ : أَي كانُوا يَتَحَدَّثُون فَنَظَرتْ إِلَيْهم ، فاشْتَغَلوا بحُسْنِ نَظَرِهَا عن الحَدِيثِ ، ومَضَتْ.
وفي الرَّوْض للسُّهَيْلِيّ في قَوْلِهِ تَعَالَى : (شَهْرُ) رَمَضانَ ، اخْتَارَ الكُتَّاب والمُوَثِّقُون النُّطْقَ بهذَا اللَّفْظ دُونَ أَنْ يَقُولُوا كُتِبَ في رَمَضَانَ. وتَرْجَمَ البُخَاريُّ والنَّوَرِيّ على جَوَازِ اللَّفْظَيْنِ جَمِيعاً ، وأَوْرَدَا الحَديثَ : «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» ولم يَقُل : شَهْرَ رَمَضَانَ ، قال السُّهَيْليّ : لكُلِّ مَقَامٍ مَقالٌ ، ولا بُدَّ من ذِكْر شَهْرَ في مَقَامٍ وحَذْفِه في مَقَامٍ آخرَ ، والحِكْمَةُ في ذِكْره إِذا ذُكِرَ في القُرْآن وغَيْره ، والحِكْمَةُ أَيْضاً في حَذْفِهِ إِذا حُذِفَ من اللَّفْظ ، وأَيْنَ يَصْلُحُ الحَذْفُ ويَكُونُ أَبْلَغَ من الذِّكْر. كُلُّ هذَا قد بَيَّنَاه في كتاب «نَتَائج الفِكر» غَيْرَ أَنَّا نُشِير إِلى بَعْضها فنَقُولُ : قال سِيبَوَيْه : وممَّا لا يَكُونُ العَمَلُ إِلاَّ فيه كُلّه المُحَرَّم وصَفَر ، يُريد أَن الاسْمَ العَلَم يَتَنَاوَلُه اللَّفْظ كُلّه ، وكَذلك إِذا قُلْت : الأَحَد والاثْنَين ، فإِن قُلْت يَوْمَ الأَحَدِ ، أَو شَهْر المُحَرَّم ، كان ظَرْفاً ولم يَجْرِ مَجْرَى المَفْعُولات ، وزَالَ العُمُومُ من اللَّفْظ ، لأَنَّك تُريد : في الشَّهْر وفي اليَوْم ، ولذلكَ قَالَ صلىاللهعليهوسلم : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» ولم يَقُل شَهْرَ رَمضانَ ليَكُون العَمَلُ فيه كُلّه.
ج : رَمَضَانَاتٌ ، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ ورَمَضَانُونَ ، وأَرْمِضَةٌ ، الأَخيرُ في اللِّسَان. وَفَاتَهُ أَرْمِضَاءُ ، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ ، ورَمَاضِينُ ، نَقَلَه الصَّاغَانِيّ وصَاحِبُ اللّسَان. وقال ابنُ دُرَيْدٍ : زَعَمُوا أَنّ بَعْضَ أَهل اللُّغة قال : أَرْمُضٌ ، وهو شَاذٌّ ولَيْس بالثَّبت ولا المَأْخوذ به. سُمِّيَ به لِأَنَّهُمْ لَمّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عن الُّلغَة القَديمَة سَمَّوْهَا بالأَزْمِنَةِ الَّتي وَقَعَتْ فِيهَا. كَذَا في الصّحاح ، وفي الجَمْهَرَة : التي هي فيها : فوَافَق ناتِقٌ (٣) ، أَيْ هذَا الشَّهْرُ وهو اسْمُ رَمَضَانَ في اللُّغَةِ القَديمَةِ أَيّامَ زَمَن الحَرِّ والرَّمَض ، فسُمِّيَ به. هذه عبارَةُ ابْن دُرَيْد في الجَمْهَرَة ، ولكنَّ المُصَنّف قد تَصَرَّف فيها على عادَته ، ونَصُّ الجَمْهَرَة : فَوَافَقَ رَمَضَانُ أَيّامَ رَمَضِ الحَرِّ وشِدَّتِه فسُمِّيَ به ، ونَقَله الصّاغَانِيّ وصاحبُ اللّسَان هكذا على الصَّواب. وفي الصّحاح : فوَافَق هذا الشَّهْرُ أَيّامَ رَمَضِ الحَرِّ فسُمَّيَ بذلك. وهو قَريبٌ من نَصِّهما ، ولَيْس عنْدَ الكُلِّ ذِكْرُ ناتِق ، وسَيَأْتي في القَاف أَنَّه من أَسْمَاءِ رَمَضَانَ ، وقد وَهِمَ الشُّرَّاحِ هُنَا وَهماً فاضحاً ، حَتَّى شَرَحَ بَعْضُهُم نَاتق بشدَّةِ الحَرّ ، كأَنَّهُ يَقُولُ وَافَقَ رَمَضَانُ ناتِقَ ، بالنَّصْب ، أَي شِدَّة زَمَن الحَرِّ ، وهو غَريبٌ ، وكُلُّ ذلكَ عَدَمُ وُقُوفٍ على مَوادِّ الُّلغَةِ ، وإِجْراءُ الفِكْرِ والقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الأُصُول. فتَأَمَّلْ. أَو هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ رَمَضَ الصائِمُ يَرْمَضُ ، إِذا اشْتَدَّ حَرُّ جَوْفِه من شِدَّةِ العَطَشِ. وهو قَولُ الفَرَّاءِ ، أَوْ لِأَنَّهُ يَحْرِقُ الذُّنُوبَ ، من : رَمَضَهُ الحَرُّ يَرْمِضُهُ ، إِذا أَحْرَقَه ، ولا أَدْرِي كَيْفَ ذلِكَ ، فإِنّي لم أَر أَحَداً ذَكَرَه.
وَرَمَضَانُ ـ إِن صَحَّ ـ مِنْ أَسماءِ الله تَعَالَى فغَيْرُ مُشْتَقٍّ مِمّا ذُكِرَ أَو رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الغَافِرِ ، أَي يَمْحُو الذُّنُوبَ ويَمْحَقُهَا. قال شَيْخُنَا : هو أَغْرَبُ مِن إِطْلاق الدَّهْرِ ، لأَنَّهُ وَرَدَ في الحَدِيث ، وإِنْ حَمَلَه عِيَاضٌ على المَجازِ ، كما مَرَّ ، ولم يَرِدْ إِطلاقُ رَمَضَانَ عَلَيْه تَعَالَى ، فكَيْفَ يَصِحُّ ، وبأَيِّ مَعْنَى يُطْلَق عَلَيْه ، سُبْحَانَه وتَعَالَى.
قُلتُ : وهذا الَّذِي أَنْكَرَهُ شَيْخُنَا مِنْ إِطْلاقِ اسْمِ رَمَضَانَ عَلَيْه. سُبْحَانَه ، فَقَد نَقَلَه أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ المُطَرَّزُ في
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٨٥.
(٢) التهذيب واللسان : «نسؤها» ونسؤها وسمنها بمعنى واحد. واقترارها : شبعها.
(٣) في مروج الذهب ٢ / ٢٢٣ ناتق اسم المحرم.