بَابُ العَيْن
في اللِّسَان : هذا الحَرْفُ قَدَّمَهُ جَماعَةٌ من اللُّغَوِيّين في كُتُبِهِم ، وابْتَدَأُوا به في مُصَنَّفاتِهِم. حَكَى الأَزْهَرِيُّ عَن اللَّيْثِ : لَمَّا أَرادَ الخَلِيلُ بنُ أَحْمَدَ الابْتِدَاءَ في كِتَابِ العَيْنِ أَعْمَلَ فِكْرَهُ فِيه : فَلَمْ يُمْكِنْه أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ : ا ب ت ث ، لِأَنَّ الأَلِفَ حَرْفٌ مُعْتَلٌّ ، فلمّا فاتَهُ أَوّلُ الحُرُوفِ كَرِه أَنْ يَجْعَلَ الثّانيَ أَولاً ، وهو البَاءُ إلّا بِحُجَّةٍ ، وبَعْدَ اسْتِقْصَاءٍ ، نَظَرَ (١) إِلَى الحُرُوفِ كُلِّهَا وذَاقَها ، فوَجَدَ مَخْرَجَ الكَلامِ كُلِّه من الحَلْقٍ ، فَصَيَّرَ أَوْلَاهَا بالابْتِداءِ به أَدْخَلَهَا في الحَلْقِ ، وكَانَ إِذا أَرادَ أَنْ يَذُوقَ الحَرْفَ فَتَحَ فاهُ بأَلِفٍ ، ثُمَّ أَظْهَرَ الحَرْفَ ، نَحْو اب ، اتْ ، احْ ، اعْ فوَجَدَ العَيْنَ أَقْصَاهَا في الحَلْقِ ، وأَدْخَلَهَا ، فجَعَلَ أَوَّلَ الكِتَابِ العَيْنَ ، ثُمَّ ما قَرُبَ مَخْرَجُهُ مِنْهَا بَعْدَ العَيْنِ الأَرْفَعَ فالأَرْفَعَ ، حَتّى أَتَى عَلَى آخِرِ الحُرُوفِ. وأَقْصَى الحُرُوفِ كُلِّهَا العَيْنُ ، وأَرْفَعُ مِنْهَا الحاءُ ، ولَوْلَا بُحَّةٌ في الحاءِ لأَشْبَهَتِ العَيْنَ ، لِقُرْب مَخْرج الحاءِ من العَيْنِ ، ثُمّ الهاءُ ، ولو لا هَتَّةٌ في الهاءِ ـ وقال مَرَّةً : هَهَّةٌ في الهاءِ ـ لأَشْبَهَتِ الحاءِ لقُرْب مَخرَج الهاءِ من الحاءِ ، فهذِه الثّلاثَةُ في حَيِّزٍ وَاحِدٍ. فاعْلَمْ ذلِكَ (٢).
وقالَ شَيْخُنَا : أُبْدِلَتِ العَيْنُ من الحاءِ ، قالوا : صُبْعٌ في صبح ، ومِن الغَيْنِ قالُوا : العُلامُ لُغَةٌ في الغُلامِ ، وهذا قَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ ، ومِنَ الهَمْزَةِ قالُوا : عَنْ في أَنْ. وعَلَى الأوَّلِ والثّالِثِ اقْتَصَرَ ابنُ أُمِّ قاسِمٍ ، ومُحَشُّوهُ ، وأَكْثَرُوا من أَمْثِلَةِ إِبْدَالِهَا عَنِ الهَمْزَةِ ، وذَكَرُوا من أَمْثِلَةِ إِبْدالِها من الحاءِ قولهم : عَتَّى في حَتَّى. قُلْتُ : وقال الخَلِيلُ : العَيْنُ والحاءُ لا يَأْتَلِفَانِ في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَصْلِيَّةِ الحُرُوفِ ، لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِما ، إِلّا أَنْ يُؤَلَّف فِعْلٌ من جَمْعٍ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ ، مِثْل : حَيّ عَلَى ، فَيُقَالُ مِنْهُ حَيْعَلَ ، والله أَعْلَم.
فصل الهمزة مع العين
[أثع] : ذُو أُثَيْعٍ ، كزُبَيْرٍ ، أَهْمَلَه الجَوْهَرِي وصاحِبُ اللِّسان. وقال الصّاغانِيُّ : هو شاعِرٌ من هَمْدانَ كما في اللُّبابِ.
وِزَيْدُ بنُ أُثَيْعِ ، أَو يُثَيْع بقَلْبِ الهَمْزَةِ ياءً ، وسِيَاقُه يَقْتَضِي أَنَّهما كزُبَيْرٍ ، وضبَطَهُ الحَافِظُ كأَمِيرٍ ، وهُوَ تَابِعِيّ رَوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله تَعالَى عَنْهُ. قُلْتُ : وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدَّيقِ رَضِيَ الله تَعالَى عَنْهُ أَيْضاً ، ذَكَرَهُ ابنُ حِبّانَ في كِتَابِ الثِّقَاتِ ، وكُنْيَتُه أَبُو إِسْحَاقَ ، كَذا في حاشِيةِ الإِكْمَال.
[أزع] : أُزَيْعٌ ، كزُبَيْرٍ ، أَهْمَلَهُ الجَمَاعَةُ ، وهو مِنَ الأَعْلامِ ، أَصْلُه وُزَيْعٌ. قُلْتُ : فيَنْبَغِي ذِكْرُهُ هُنَاكَ ، كما فَعَلَهُ ، الصّاغَانِيّ وغَيْرُهُ من أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ، وسَيَأْتِي ذلِكَ لِلْمُصَنِّفِ أَيْضاً في «وزع».
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه (٣) :
[أشع] : أَيْشُوعُ ، بالفَتْحِ ، قالَ اللَّيْثُ في تَرْكِيب «وش ع» : هُوَ اسْمُ عِيسَى عَلَيْهِ وعَلَى نَبِيِّنا أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ ، وسَيَأْتِي ذِكْرُه في «وش ع» بالعِبْرَانِيّة ، كما سَيَأْتِي هُناكَ إِنْ شَاءَ الله تَعالَى.
__________________
(١) في اللسان «أول باب العين» : تَدَبّر ونظر.
(٢) زيد في اللسان نقلاً عن الأزهري قال : العين والقاف لا تدخلان على بناء إلّا حسنتاه ، لأنهما أطلق الحروف ، أما العين فأنصع الحروف جرسا وألذها سماعا.
(٣) وردت هنا بالأصل «مادة : أفع» فأخرناها الى موضعها بعد مادة «أع».