قال شَيْخُنَا : ثُمَّ إنَّ المُصَنِّف أطْلَق في التِّسْعِ اعْتِمَاداً على الشُّهْرَة بالكَسْرِ ، فَلَمْ يَحْتَج إلَى ضَبْطِهَا ، وفي سُورَةِ ص : (تِسْعٌ وَتِسْعُونَ) (١) بفَتْح التَّاءِ ، وكَأَنَّهُم لَمَّا جاوَرَ التِّسْعُ الثَّمانَ والعَشْرَ قَصَدُوا مُنَاسَبتَه لِمَا فَوْقَه ولِمَا تَحْتَهُ فتَأَمَّلْ.
وِالتِّسْع أيْضاً ، أي بالكَسْرِ : ظِمْءٌ من أظْمَاءِ الإِبِلِ ، وهو أنْ تَرِدَ إلَى تِسْعَةِ أيّامٍ ، والإِبِلُ تَوَاسِعُ.
وِالتُّسْعُ ، بالضَّمِّ : جُزْءٌ من تِسْعَةٍ ، كالتَّسِيعِ ، كأَمِيرٍ ، يَطَّرِدُ في جَمِيعِ هذِه الكُسُورِ عنْدَ بَعْضِهِم. قَالَ شَمِرٌ : ولَمْ أسْمَعْ : التَّسِيع إلَّا لِأَبِي زَيْدٍ. قُلْتُ : إلَّا الثَّلِيث ، فإِنَّهُ لَمْ يُسْمَع كما نَقَلَه الشَّرَفُ الدِّمْيَاطِيّ في المُعْجَمِ ، عن ابنِ الأَنْبَارِيّ ، قَالَ : فَمَنْ تَكَلَّم به أخْطَأَ ، وقد تَقَدَّمَت الإِشَارَةُ إلَيْه في «ث ل ث».
وِالتُّسَعُ ، كصُرَدٍ : اللَّيْلَةُ السَّابِعَةُ والثامِنَةُ والتّاسِعَةُ من الشَّهْرِ وهي بَعْدَ النُّفَلَ ، لأَنَّ آخِرَ لَيْلَةٍ منها هي التاسعة ، وقيل : هي اللَّيَالِي الثَّلاثُ مِنْ أوَّلِ الشَّهْرِ ، والأَوَّلُ أقْيَسُ.
وقال الأَزْهَرِيّ : العَرَبُ تَقُول في لَيالِي الشَّهْرِ : ثَلاثٌ غُرَرٌ ، وبَعْدَهَا ثَلاثٌ نُفَلٌ ، وبَعْدَهَا ثَلاثٌ تُسَعٌ ، سُمِّينَ تُسَعاً لِأَنَّ آخِرَتَهُنَّ اللَّيْلَةُ التاسِعَةُ ، كما قِيلَ لِثَلاثٍ بَعْدَهَا : ثَلاثٌ عُشَرٌ ، لأَنَّ بَادِئَتَها اللَّيْلَةُ العاشِرَةُ.
وِالتّاسُوعاءُ : اليَوْمُ التاسِعُ من المُحَرَّمِ ، وفي الصّحاح :قَبْلَ يَوْم عَاشُوراءَ ، مُوَلَّدٌ ، ونَصُّ الصّحاح : وأظُنُّه مُوَلَّداً.
وقالَ غَيْرُه : هو يَوْمُ عاشُورَاءَ. وقال الأَزْهَرِيُّ في قَوْله صلىاللهعليهوآلهوسلم فِيما رَواهُ عَنْهُ ابنُ عَبَّاسٍ رضياللهعنهما : «لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» يَعْنِي يَوْمَ عاشُوراءَ ، كأَنَّهُ تَأَوَّلَ فيه عِشْرَ الوِرْدِ ، أنَّهَا تِسْعَةُ أيّامٍ ، والعَرَبُ تَقُولُ : وَرَدْتُ الماءَ عِشْراً ، يَعْنُونُ يوْمَ التَّاسِعِ ، ومِنْ ها هُنا قالُوا : عِشْرِين ، ولم يَقُولُوا عِشْرَيْنِ (٢) ، لأَنَّهم جَعَلُوا ثَمانِيةَ عَشَرَ يَوْماً عِشْرَين ، واليَوْمَ التَّاسِعَ عَشَرَ والمُكَمِّلَ عِشْرِينَ طائفةً من الوِرْدِ الثّالِثِ ، فَجَمَعُوهُ بِذلِكَ (٢).
وقال ابنُ بَرِّيّ : لا أحْسَبُهُم سَمَّوْا عَاشُوراء تاسُوعاءَ إلَّا عَلَى الأَظْماءِ نَحْوُ العِشْر ، لِأَنَّ الإِبِلَ تَشْرَبُ في اليَوْمِ التّاسِعِ ، وكَذلِكَ الخِمْسُ تَشْرَبُ في اليَوْمِ التّاسِعِ ، وكَذلِكَ الخِمْسُ تَشْرَبُ في اليَوْمِ الرّابعِ. وقالَ ابْنُ الأَثِيرِ :إنَّمَا قالَ ذلِكَ صلىاللهعليهوآلهوسلم كَرَاهَةً لِمُوَافَقَةِ اليَهُودِ ، فإنَّهُمْ كانُوا يَصُومُونَ عاشُوراءَ ، وهو العَاشِرُ ، فأَرَادَ أنْ يُخَالِفَهُمْ ويَصُومَ التّاسِعَ ، قال : وظاهِرُ الحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى خِلافِ ما ذَكَرَهُ الأَزْهَرِيّ.
قُلتُ : وقد صَحَّحَ الصّاغَانِيُّ هذا القَوْلَ : والمُرَادُ بظَاهِرِ الحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ ابنِ عَبّاسٍ المَذْكُورَ ،أنَّهُ قالَ حِينَ صامَ رَسُولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يَوْمَ عاشُورَاءَ ، وأمَرَ بصِيَامِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولُ الله إنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُه اليَهُودُ والنَّصَارَى ، فَقَالَ : فإِذا كانَ العام القابلُ صُمْنا اليَوْمَ التاسِعَ ، وفِي رِوَايَةٍ : «إنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ تاسُوعاءَ» أي فكَيْفَ يَعِدُ بصَوْمِ يَوْمٍ قد كَانَ يَصُومُه. فَتَأَمَّلْ.
وقَوْلُ الجَوْهَرِيِّ وغَيْرِه : إنَّه مُولَّدٌ ، فيه نَظَرٌ ، فإِنّ المُوَلَّدَ هو اللَّفْظُ الَّذِي يَنْطِقُ به غَيْرُ العَرَبِ من المُحْدَثِينَ ، وهذِه لَفْظَةٌ وَرَدَتْ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ ، وقالَهَا النَّبِيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الَّذِي هو أفْصَحُ الخَلْقِ وأعْرَفُهُمْ بِأَنْوَاعِ الكَلامِ بوَحْيٍ مِن الله الحَقِّ ، فَأَنَّى يُتَصَوَّرُ فِيها التَّوْلِيدُ ، أوْ يَلْحَقُهَا التَّفْنِيدُ؟ كما حَقّقَه شَيْخُنَا ، وأشَرْنَا إلَيْه في مُقَدّمة الكِتَابِ.
وِتَسَعَهُمْ ، كمَنَع وضَرَبَ ، الأَخِيرَةُ عن يُونُسَ ، وعلَى الأُولَى اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ : أخَذَ تُسْعَ أمْوَالِهِمْ ، أوْ كان تاسِعَهُمْ. ذَكَرَ الجَوْهَرِيُّ المَعْنَيَيْن ، أوْ تَقُولُ : كانَ القَوْمٌ ثَمَانِيَةً فَتَسَعَهُمْ ، أيْ صَيَّرَهُمْ تِسْعَةً بنَفْسهِ ، أوْ كَانَ تَاسِعَهُمْ ، فَهُوَ تاسِعُ تِسْعَةٍ ، وتَاسِعُ ثَمَانِيَةٍ ، ولا يَجُوزُ أنْ يُقَالَ : هو تاسِعٌ تِسْعَةً ، ولا رَابعٌ أرْبَعَةً ، إنَّمَا يُقَال : رَابعُ أرْبَعَةٍ على الإِضَافَةِ ، ولكِنَّكَ تَقُولُ : رَابعٌ ثَلاثةً ، هذا قَوْلُ الفَرّاءِ وغَيْرِهِ من الحُذَّاقِ.
وِأتْسَعُوا : كانُوا ثَمَانِيَةً ، ف صارُوا تِسْعَةً ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ ، وأيْضاً : وَرَدَتْ إبِلُهُمْ تِسْعاً ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ أيْضاً ، أيْ وَرَدَتْ لتِسْعَةِ أيّامٍ وثَمَانِي لَيَالٍ ، فهم مُتْسِعُونَ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه :
قَوْلُهم : تِسْعَ عَشَرَةَ ، مَفْتُوحَانِ عَلَى كُلِّ حال ، لأَنَّهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْماً وَاحِداً ، فأُعْطِيَا إعْرَاباً وَاحِداً ، غَيْرَ أنَّكَ
__________________
(١) سورة ص الآية ٢٣ وقراءة العامة بكسر التاء ، وقرأ الحسن بفتح التاء وهي لغة شاذة.
(٢) نص التهذيب : ولم يقولوا : عِشْرَيْن لأنهما عشران وبعض الثالث.