الرَّحْلِ ، وَتُسَمَّى هذه الحَدِيدَةُ أَيْضا : الغاشِيَةَ ، قال ذُو الرَّمَّةِ :
فَرُحْنَا وقُمْنَا والدَّوامِغُ تَلْتَظِي |
|
عَلَى العِيسِ مِنْ شَمْسٍ بَطِيءٍ زَوَالُهَا (١) |
وَقَال ابنُ شُمَيْل : الدَّوامِغُ : عَلَى حاقِّ رُؤُوسِ الأحْنَاءِ منْ فَوْقِهَا ، واحِدَتُها دامِغَةٌ ، ورُبَّمَا كانَت مِنْ خَشَب ، وتُؤْسَرُ [بالقِدِّ] (٢) أَسْرًا شَدِيدا ، وهِيَ الخَذَارِيفُ ، واحِدُهَا خُذْرُوفٌ ، وقَدْ دَمَغَتْ المَرْأَةُ حَوِيَّتَها تَدْمَغُ دَمْغًا ، قال الأَزْهَرِيُّ : الدّامِغَةُ إذا كانَتْ مِنْ حَدِيدٍ عُرِّضَتْ فَوْقَ طَرَفَيِ الحِنْوَيْنِ ، وسُمِّرَتْ بمِسْمَارَيْنِ ، والخَذارِيفُ تُشَدُّ عَلَى رُؤُوسِ العَوارِضِ ، لئلّا تَتَفَكَّكَ (٣).
وقال ابنُ عَبّادٍ : الدّامِغَةُ : خَشَبَةٌ مَعْرُوضَةٌ بَيْنَ عَمُودَيْنِ يُعَلَّقُ عَلَيْهَا السِّقَاءُ.
وقال ابنُ دُرَيْدٍ : دَمِيغُ الشِّيْطانِ كأَمِيرٍ : لَقَب وفي الجَمْهَرَةِ : نَبْزُ رَجُلٍ مِنَ العَرَبِ م مَعْرُوف ، كأَنَّ الشَّيْطَانَ دَمَغَهُ.
ومِنَ المَجَازِ : دَمَغَهُمْ بمُطْفِئَةِ الرَّضْفِ أي : ذَبَحَ لَهُم شاةً مَهْزُولَةً ، ويُقَال : سَمِينَةً ، وعَلَيهِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ ، وَحَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ ، وقالَ : يَعْنِي بمُطْفِئَةِ الرَّضْفِ : الشَّاةَ المَهْزُولَةَ ، قال ابنُ سِيدَه : ولَم يُفَسِّرْ دَمَغَهُم إِلَّا أَنْ يَعْنِيَ غَلَبَهُمْ. قلتُ : وفَسَّرَهُ ابنُ عَبّادٍ والزَّمَخْشَرِيُّ بما قالَهُ المُصَنِّفُ ، وقَدْ مَرَّ شَيْءٌ مِنْ ذلِكَ في «ط ف أ» وفي «ج د س».
وقال ابنُ عَبّادٍ : الدّامُوغُ : الَّذِي يَدْمَغُ ويَهْشِمُ.
قال : وحَجَرٌ دامُوغَةٌ ، والهاءُ للمُبَالَغَةِ ، وَأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ لأَبِي خِماسٍ (٤) :
تَقْذِفُ بالأُثْفِيَّةِ اللَّطّاسِ |
|
والحَجَرِ الدّاموغَةِ الرَّدّاسِ |
وقال أَبُو عَمْرٍو : أَدْمَغَهُ إِلَى كَذا ، أي : أَحْوَجَهُ ، وَكذلِكَ أَدْغَمَهُ ، وأَحْرَجَهُ ، وأَزْأَمَهُ ، وأَجْلَدَهُ ، كُلُّ ذلِكَ بمَعْنًى واحِدٍ ، قالَهُ في نَوَادِرِه.
وقال ابنُ عَبّادٍ : دَمَّغَ الثَّرِيدَةَ بالدَّسَمِ تَدْمِيغًا : لَبَّقَها بِهِ وَهُوَ مَجَازٌ ، كَمَا في الأَسَاسِ.
والمُدَمَّغُ ، كمُعَظَّم : الأَحْمَقُ ، كأَنَّ الشَّيْطَانَ دَمَغَهُ مِنْ لَحْنِ العَوَامِّ وقالَ ابنُ عَبّادٍ : وهُوَ كَلامٌ مُسْتَهْجَنٌ مُسْتَرْذَلٌ ، قَدْ أَولِعَ بِهِ أَهْلِ العِرَاقِ ، أي : وصَوَابُه الدَّمِيغُ ، أَو المَدْمُوغُ. وفي النّامُوسِ : يَصِحُّ أَنْ يكُونَ المُدَمَّغُ مُبَالَغَةً فهي الدَّمِيغِ والمَدْمُوغِ ، فلا يَكُونُ لَحْنًا ، قَالَ شَيْخُنَا : فِيهِ نَظَرٌ : إِذْ هذا يَتَوَقَّفُ على مدمغ ، هَلْ هُوَ كَمُكْرَمٍ ، أَو كَمَقْعَدٍ ، أَوْ كمَجْلِسٍ ، أَوْ كمِنْبَرٍ ، ولا يَصِحُّ هذا التَّأْوِيلُ إِلَّا إذا كانَ كمِنْبَرٍ ؛ لأَنَّه الَّذِي يَكُونُ لِلْمُبَالَغَةِ ، كمِسْعَرِ حَرْبٍ ، وَنَحْوِه ، عَلَى أنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّمَاعِ ، وهُوَ مَضْبُوطٌ في نُسَخٍ صَحِيحَةٍ مُدَمِّغ ، كمُحَدِّثٍ ، ومِثْلُه لا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى المُبَالَغَةِ بالكُلِّيَّةِ ، فَتَأَمَّلْ.
قُلْتُ : النُّسَخُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لا عُدُولَ عَنْهَا : المُدَمَّغُ كمُعَظَّمٍ ، وهكَذَا ضَبَطَهُ ابنُ عَبّادٍ في المُحِيطِ ، ومِنْهُ أَخَذَ الصّاغَانِيُّ في كِتَابَيْه ، وضَبَطَهُ هكَذَا ، وأَشارَ صاحِبُ النّامُوسِ بقَوْلِه : «مُبَالَغَةٌ في الدَّمِيغِ والمَدْمُوغِ» إِلَى أَنَّه إِنَّمَا شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ ، أي : سُمِّيَ بِهِ لِوُفُورِ حُمْقِهِ ؛ لأَنَّهُ إذا وُجِدَ فِيهِ الحُمْقُ فَهُوَ دَمِيغٌ ومَدْمُوغٌ ، فإِذا كَثُرَ فِيهِ وزادَ فَهُوَ مُدَمَّغٌ ، كما أَنَّكَ تَقُولُ لِذِي الفَضْلِ : فاضِلٌ. وتَقُولُ لِلّذِي يَكْثُر فَضْلُه : فَضّالٌ ومِفْضالٌ ، وقد مَرَّتْ لَذلِكَ أَمْثَالٌ ، ويَأْتِي قَرِيباً في «س ب غ» و «ص ب غ» و «ص د غ» ما يؤَيِّدُه ، وَكأَنَّ المَعْنَى أنَّ الشَّيْطَانَ دَمَغَه ، وعَلاهُ وغَلَبَهُ كَثِيرًا حَتَّى قَهَرَهُ ، وهذَا أَيْضاً صَحِيحٌ ، إلّا أنَّ كَوْنَه صَحِيحاً في المَعْنَى أو المَأْخَذِ أو الاشْتِقَاقِ لا يُخْرِجُه عُنْ كَوْنِه لَحْنًا غَيْرَ مَسْمُوعٍ عَن الفُصَحاءِ ، فتَأَمَّلْ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه :
الدَّمْغُ : الأَخْذُ والقَهْرُ مِنْ فَوْقُ ، كما يَدْمَغُ الحَقُّ الباطِلَ ، وَقَدْ دَمَغَهُ دَمْغًا : أَخَذَهُ مِنْ فَوْقُ ، وغَلَبَهُ ، وهو مَجَازٌ ، ومِنْهُ قَوْلُه تَعالَى : فَيَدْمَغُهُ (٥) أي يَغْلِبُه ، ويَعْلُوه ويُبْطِلُه ، وقالَ
__________________
(١) ديوانه ص ٥٤٣ وروايته :
فقمنا فرحنا والدوافع تلتظي |
|
على العيس من شمس بطىء زوالها |
(٢) زيادة عن التهذيب ٨ / ٨٠ دمغ.
(٣) في التهذيب : «تنفكّ» والأصل كالتكملة واللسان.
(٤) في التكملة : لأبي حماس ، بالحاء المهملة.
(٥) من الآية ١٨ من سورة الأنبياء.