بَابْ الفَاء
وهو من الحُروفِ المَهْمُوسَةِ والشَّفَوِيَّة.
قال شيخُنَا : وقد أُبْدِلَتْ مِن الثَّاءِ المُثَلَّثَة في ثُمَّ العاطِفَة ، قالوا : جاءَ زيدٌ فُمَّ عمرٌو ، كما قالوا : ثُمَّ ، ومن الثُّومِ ؛ البَقْلَةِ المعروفَةِ ، قالوا : فُومٌ ، ومن الجَدَثِ بمعنى القَبْرِ ، قالوا : جَدَفٌ ، وجَمَعُوا فقالُوا : أَجْدَاثٌ ، ولم يقولوا : أَجْدَافٌ ، فدَلَّ على أنَّ الثاءَ هي الأَصْلُ ، كما صَرَّح به ابنُ جِنِّي ، وغيرُه.
قلتُ : وهذا البحثُ أَوْرَدَه الإمامُ أَبُو القاسم السُّهَيْلِيُّ في الرَّوض ، وسَنُورِدُه في «ج د ف» إن شاءَ الله تعالى.
فصل الهمزة مع الفاءِ
[أثف] : الأُثْفِيَّةُ ، بِالضَّمِّ ويُكْسَرُ ، هكذا ضبَطَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بالوَجْهَيْنِ : الْحَجَرُ الذي تُوضَعُ عَلَيه الْقِدْرُ ، قال الأَزْهَرِيُّ : وَما كان من حدِيدٍ سَمَّوْه مِنْصَباً ، ولم يُسَمُّوه أُثْفِيَّةً ، وفي اللسان : ورأَيْتُ حاشِيةً بخطِّ بعضِ الأَفاضِل ، قال أَبو القاسم الزَّمَخْشَرِيُّ : الأُثْفِيَّةُ ذاتُ وَجْهَيْن ، تكون فُعْلُويَةً (١) وَأُفْعُولَةً.
قلتُ : وكَذا نَصُّه في الأَساسِ ، وذَكَر اللَّيْثُ أَيْضاً كذلِك ، فَعَلَى أَحدِ القَولَيْنِ ذكرَه المُصَنِّفُ في هذا التَّرْكِيبِ ، وسيُعِيدُ ذِكْرَه أَيضاً في المُعْتَلِّ ، ويَأْتي الكلامُ عَليه هناك.
ج : أَثافيُّ بالتَّشْديد ويُخَفَّفُ ، قال الأَخْفَشُ : اعْتَزَمتِ العربُ أَثَافيَ ، أي : أَنهم لم يتكَلَّمُوا بها إلَّا مُخَفَّفَةً ، وبالوَجْهَيْنِ رُوِيَ قولُ زُهَيْرِ بن أَبي سُلْمَى :
أَثَافيَّ سُفْعاً في مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ |
|
وَنُؤْياً كَجِذْمِ الْحَوْضِ لم يَتَثَلَّمِ (٢) |
ومن المَجَازِ : بَقِيَتْ مِنْ فلانٍ إثْفِيَّةٌ خَشْنَاءُ ، أي : العَدَدُ الْكَثِير ، والجَماعَةُ من النَّاسِ (٣) وهو بكسر الهمزة ، قال ابنُ الأَعْرَابِيِّ في حديثٍ له : إنَّ في الْحِرْمَازِ اليومَ لَثَفِنَةً إثْفِيَّةً مِن أَثَافي النَّاسِ صُلْبَةً ، نصَب إثْفِيَّةً على البَدَل ، ولا يكون صِفَةً ؛ لأَنها اسْمٌ.
وثَالِثَةُ الأَثَافي : الْقِطْعَةُ مِنْ الجَبَلِ ، يُجْعَلُ إلَى جَنْبِهَا اثْنَتَانِ ، فَتَكُونُ الْقِطْعَةُ مُتَّصِلَةً بالْجَبَلِ ، وذلِكَ إذا لم يَجِدُوا ثالثةَ الأَثافي ، وبه فُسِّرَ قولُهم في المَثَلِ : رَمَاهُ الله بِثَالِثَةِ الأَثَافي أي : بالجَبَلِ ، أي : بدَاهِيَةٍ مثلِ الجَبَلِ ، قالَه ثَعْلَبٌ ، قال خُفَافُ بنُ نُدْبَةَ :
وَإنَّ قَصِيدَةً شَنْعَاءَ مِنِّي |
|
إذَا حَضَرَتْ كَثَالِثَةِ الأَثَافي |
وَقال أَبو سعيدٍ : الضَّرِيرُ : معناه أَنَّه رَمَاه بِالشَّرِّ كُلِّهِ ، جَعَلَ الشَّرَّ أُثْفِيَّةً بَعْدَ أُثْفِيَّةٍ حتى إذا رَمَاهُ بالثَّالِثَةِ لم يَتْرُكْ منها غَايَةً ، وَقال الأَصْمَعِيُّ : معناه رَمَاه بالمُعْضِلاتِ ، وقال عَلْقَمَةُ بنُ عَبَدَةَ ـ وخَفَّفَ ياءَ الأَثَافيّ ـ :
بَلْ كُلُّ قَوْمٍ وإنْ عَزُّوا وإنْ كَثُرُوا |
|
عَرِيفُهُمْ بِأَثَافي الشَّرِّ مَرْجُومُ |
وَهو مَجَازٌ.
__________________
(١) في الأساس : «فعلوَّة وأفعولة» والأصل كاللسان.
(٢) شرح ديوانه ص ٧ برواية :
وَنؤياً كحوض الجدّ لم يتثلّمِ
وَيروى : كحوض الجرّ.
(٣) في القاموس المطبوع : «وجماعةُ الناس».