فلا إشكال أنّه لمّا يصير الأمر من باب دوران الأمر بين المتباينين ؛ ضرورة أنّه لا يعلم أنّ من أوّل الأمر ـ أي حين التلف ـ أيّهما تعلّق بالذمّة ، فلا أصل في البين نجعله مرجعا ، فالأمر يرجع إلى الصلح ، كما هو المرجع مطلقا في حقوق الناس عند عدم الأصل ، ويمكن الالتزام بالرجوع إلى القرعة ، لكونه لكلّ أمر مشكل ، لا إلى التنصيف في المثل والقيمة إن تمّ دليل القرعة.
أقول : لا مانع هنا من الرجوع إلى الاحتياط لتحصيل البراءة كما هو الأصل في دوران الأمر بين المتباينين ، إلّا أنّ الفرق بين المقام وحقوق الله أنّه لمّا كان تحصيل البراءة فيها متوقّفا على الجمع بين المتباينين في الأداء فالتزم به ، بخلاف المقام فهي تحصيل بأداء المثل ، وإن كان يمكن أن يقال بأنّ ذلك موقوف على العلم باشتغال الذمّة بما زاد على القيمة ـ أي المثل ـ حتّى يكون المبرئ للذمّة يقينا هو المثل ، والمفروض أنّ الشكّ إنّما هو في أنّ الذمّة بأيّهما اشتغلت من أوّل الأمر ، فهذا يناسب القول باشتغال الذمّة أوّلا بالعين ثمّ انقلابها بالتلف المثل أو القيمة.
وأمّا ما قوّينا كونه مسلكا للمشهور فعليه الأصل يقتضي ردّ المثل ، وذلك لأنّ المفروض أنّه اشتغلت الذمّة بنفس العين بجميع مراتبها الشخصيّة ، فيحصل الشكّ في أنّه بسبب التلف خرجت من الذمّة بجميع مراتبها سوى مرتبة قيمته أم لا ، بل بقيت عليها بمرتبة مثلها؟ ولا ريب أنّ المتيقّن ذهابها عن الذمّة بمرتبتها الشخصيّة ، أمّا المثليّة فمشكوك فيه فيستصحب بقاؤها بهذه المرتبة ، فيتعيّن المثل ، ويمكن التمسّك بالاشتغال أيضا إذ الذمّة اشتغلت أوّلا بالعين ، وبالتلف لمّا لم يمكن أداء نفسها فتنقلب فيشكّ في أنّه هل بردّ القيمة تحصل البراءة أم لا؟