لكن بالنسبة إلى اللّه تعالى الذي هو منزّه عن الحواس يدرك أقصى الشيء وغايته ومنتهاه إدراكا لا بحاسّة.
بل هو مدرك للأشياء بمعنى أنّه عالم بالمدركات ، أي أنّه عالم بما يدرك بالحواس إدراكا أعظم من إدراكنا ، حيث انّه قد يقع الخطأ فيما ندركه ، ولكن لا يخطئ اللّه جلّ شأنه في إدراكه.
فالمراد بإدراكه تعالى هو العلم الخاصّ ، كما أفاده في حقّ اليقين (١).
ومن هنا يعلم أنّ هذه الصفة الكمالية من صفات ذاته المقدّسة.
ويدلّ على هذه الصفة في اللّه أدلّة العلم الثلاثة المتقدّمة.
ويضاف إلى ذلك ما يستفاد من تقريب المعارف : «إنّ وجود المدرك وارتفاع الموانع تستلزم الإدراك ، واللّه تعالى كامل مستجمع لجميع صفات الكمال ، ولا سبيل للنقص والموانع إلى ذي الجلال ، فيكون مدركا لكلّ محسوس ، وعالما بكلّ ما يحسّ» (٢).
ودلائل مُدركيّته واضحة بالعيان لكلّ ذي حسّ ووجدان ..
وكيف لا يدرك المحسوسات مَن هو عالم بالغيوب والخفيّات ، بل يعلم السرّ وأخفى؟
يعلم ما أسرّه الإنسان وما نساه وغاب عن خاطره ويعلم الغيب والشهادة ، فيكون عالما بالمحسوسات بالأولويّة القطعية.
فاللّه تعالى مدرك لجميع الأشياء المحسوسة ، وعالم بكلّ شيء محسوس وغير محسوس ، حاضر وغائب ، وكلّ غيب وحضور ، كما تلاحظ ذلك في
__________________
(١) حقّ اليقين : (ج١ ص٣٠).
(٢) تقريب المعارف : (ص٨٤).