الثالث : دليل العقل :
وهو يقضي ويحكم ببعثة الأنبياء ولزوم النبوّة من وجوه عديدة :
١ ـ إنّ الإجتماع مظنّة النزاع ، وإنّما تزول مفسدته بشريعة مستفادة من الإله الحكيم المدبّر للعالم دون غيره ، وتلك الشريعة لابدّ لها من رسول متميّز من بني نوعه ، فالحكمة تدعو إلى نصبه ليحول دون الفساد ، كما يستفاد هذا الإستدلال من العلاّمة الحلّي قدسسره (١).
٢ ـ إنّ قاعدة اللطف تقضي بإرسال النبي ليقرّب العباد إلى الطاعة ويبعّدهم عن المعصية ؛ لأنّ الغرض والحكمة في إيجاد الخلق هي المعرفة والعبادة ، وذلك يتوقّف على تعيين واسطة بين الحقّ والخلق يعلّمهم ذلك ، لإستحالة الإفاضة والإستفاضة بلا واسطة ؛ إذ لا ربط ولا نسبة بين النور والظلمة حتّى لا يحتاج إلى واسطة ، كما يستفاد الإستدلال بها من السيّد الشبّر طاب ثراه (٢).
٣ ـ إنّ عدالة اللّه تعالى تأبى أن يخلق الخلق بهذه الكثرة العظيمة والطبقات المختلفة ، ثمّ يتركهم سُدى يتيهون في ظلمات الجهل ، ودَرَكات الضلالة بدون معلّم ولا مرشد ، فالعدالة تقتضي نصب نبيٍ للهداية.
ويدرك العقل بوضوح أنّ اللّه تعالى أرشد حتّى الحيوانات إلى ما فيه خيرُها وصلاحها ، وهو الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى ، فكيف يمكن أن يترك الإنسان سدى في غواية وبلا هدى؟! وإهمال الخلق خلاف الحكمة ..
فلابدّ إذن من إرشادهم وأن يرسل لهم من يهديهم إلى الخير الأمثل والسعادة القصوى.
__________________
(١) نهج المسترشدين : (ص٥٨).
(٢) حقّ اليقين : (ج١ ص٨٤).