مماسّة ولا مداخلة في حيِّز غيره ولا في حيِّزه.
وإدراك البصر له سبيل وسبب فسبيله الهواء وسببه الضياء ، فإذا كان السبيل متّصلاً بينه وبين المرئي والسبب قائم أدرك ما يلاقي من الألوان والأشخاص ، فإذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه رجع راجعا فحكى ما وراءه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة فإذا لم يكن له سبيل رجع راجعا ، يحكي ما وراءه وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع راجعا ويحكي ما وراءه إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره ؛ فأمّا القلب فإنّما سلطانه على الهواء فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهّمه ، فإذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجودا رجع راجعا فحكى ما في الهواء.
فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجودا في الهواء من أمر التوحيد جلّ اللّه وعزّ ، فإنّه إن فعل ذلك لم يتوهّم إلاّ ما في الهواء موجود كما قلنا في أمر البصر تعالى اللّه أن يشبهه خلقه» (١).
على أنّ الحواس الاُخرى أيضا إنّما نحسّ بها المخلوقات فقط ، فكيف يمكن مشاهدة الخالق بهذه الوسائل المادّية؟ وهل يُرى بالجسم غير الأجسام؟
كلاّ!! المادّي لا يمكنه التوصّل إلاّ إلى المادّي فقط بإقتضاء السنخيّة.
بل لم يتوصّل الإنسان إلى بعض نفس المادّيات المماثلة له في جوهر المادّة ، فتراه لم يعرف بَعْدُ حقيقة المواد الأوّلية ، والعناصر الأساسيّة الموجودة في هذا الكون ، بالرغم من أنّه يشاهدها ويحسّها وهو متكيّف معها ويعيش إلى جنبها.
__________________
(١) اُصول الكافي : (ج١ ص٩٩ باب إبطال الرؤية ح١٢).