«تأمّل واعتبر بحسن التدبير في خلق الشعر والأظفار فإنّهما لمّا كانا ممّا يطول ويكثر حتّى يحتاج إلى تخفيفه أوّلاً فأوّلاً جعلا عديمي الحسّ لئلاّ يؤلم الإنسان الأخذ منهما.
ولو كان قصُّ الشعر وتقليم الأظفار ممّا يوجد له مسّ من ذلك لكان الإنسان من ذلك بين مكروهين : إمّا أن يدع كلّ واحد منهما حتّى يطول فيثقل عليه ، وإمّا أن يخفّفه بوجع وألم يتألّم منه» (١).
٧ ـ دقّة الصنعة في إحساسات الإنسان بجوعه وعطشه وكذا قواه الباطنية من قوّة الجذب والدفع :
«فكّر يامفضّل! في الأفعال التي جعلت في الإنسان من الطعم والنوم والجماع وما دبّر فيها ، فإنّه جعل لكلّ واحد منها في الطباع نفسها محرّك يقتضيه ويستحثّ به ، فالجوع يقتضي الطعم الذي به حياة البدن وقوامه ، والكرى (٢) تقتضي النوم الذي فيه راحة البدن وإجمام قواه ، والشبق يقتضي الجماع الذي فيه دوام النسل وبقاؤه.
ولو كان الإنسان إنّما يصير إلى أكل الطعام لمعرفته بحاجة بدنه إليه ولم يجد من طباعه شيئا يضطرّه إلى ذلك كان خليقا أن يتوانى عنه أحيانا بالتثقّل والكسل حتّى ينحلّ بدنه فيهلك ، كما يحتاج الواحد إلى الدواء بشيء ممّا يصلح ببدنه فيدافع به حتّى يؤدّيه ذلك إلى المرض والموت.
وكذلك لو كان إنّما يصير إلى النوم بالتفكّر في حاجته إلى راحة
__________________
(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٧٦).
(٢) الكرى : النعاس الذي يكون مع فتور الأعصاب وتراخي الأجفان ، والإجمام هي الراحة.