أوّلاً فأوّلاً؟
أفلا ترى كيف وكّل اللّه سبحانه بلطيف صنعه وحسن تقديره هذه القوى بالبدن والقيام بما فيه صلاحه؟
وساُمثّل لك في ذلك مثالاً : إنّ البدن بمنزلة دار الملك ، وله فيها حشم وصبية وقوّام (١) موكّلون بالدار ، فواحد لإقتضاء حوائج الحشم وإيرادها عليهم ، وآخر لقبض ما يرد وخزنه إلى أن يعالج ويهيّأ ، وآخر لعلاج ذلك وتهيئته وتفريقه ، وآخر لتنظيف ما في الدار من الأقذار وإخراجه منها.
فالملك في هذا هو الخلاّق الحكيم ملك العالمين ، والدار هي البدن ، والحشم هي الأعضاء ، والقوام هي هذه القوى الأربع ، ولعلّك ترى ذكرنا هذه القوى الأربع وأفعالها بعد الذي وصفت فضلاً وتزدادا.
وليس ما ذكرته من هذه القوى على الجهة التي ذكرت في كتب الأطباء ، ولا قولنا فيه كقولهم ؛ لأنّهم ذكروها على ما يحتاج إليه في صناعة الطبّ وتصحيح الأبدان ، وذكرناها على ما يحتاج في صلاح الدين وشفاء النفوس من الغي ، كالذي أوضحته بالوصف الشافي والمثل المضروب من التدبير والحكمة فيها» (٢).
٨ ـ قوّة الحفظ والنسيان وهما متضادّتان في الجسم لكن ضروريتان للإنسان :
«تأمّل يامفضّل! هذه القوى التي في النفس وموقعها من الإنسان ،
__________________
(١) الحشم : هم الخدم والعيال ، والقوّام : جمع القيّم ، وهو المتولّي على الشيء.
(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص٧٨).