١٦ ـ دقيق الصنع في الطائر بجعل خلقته خفيفةً مساعدة على الطيران ، مع إحكام في بدنه وريشه ومآكله :
«تأمّل يامفضّل! جسم الطائر وخلقته فإنّه حين قدّر أن يكون طائرا في الجوّ خفّف جسمه واُدمج خلقه ، فاقتصر به من القوائم الأربع على إثنتين ، ومن الأصابع الخمس على أربع ، ومن منفذين للزبل والبول على واحدٍ يجمعهما.
ثمّ خلق ذا جؤجؤ (١) محدّد ليسهل عليه أن يخرق الهواء كيف ما أخذ فيه ، كما جُعلت السفينة بهذه الهيئة لتشقّ الماء وتنفذ فيه ، وجعل في جناحيه وذنبه ريشات طوال متان لينهض بها للطيران ، وكسي كلّه الريش ليداخله الهواء فيقلّه (٢).
ولمّا قُدّر أن يكون طعمه الحبّ واللحم يبلعه بلعا بلا مضغ نقص من خلقه الأسنان ، وخلق له منقار صلب جاسٍ (٣) يتناول به طعمه فلا ينسجح من لقط الحبّ ، ولا يتقصّف من نهش اللحم.
ولمّا عدم الأسنان وصار يزدرد الحبّ صحيحا واللحم غريضا (٤) اُعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ ؛ واعتبر ذلك بأنّ عجم العنب (٥) وغيره يخرج من أجواف
__________________
(١) الجؤجؤ من الطائر هو : الصدر ، والجمع جآجئ.
(٢) أي يحمله ويرفعه.
(٣) الجاسي هو : الصلب ، وعدم الانسجاح هو : عدم الليونة ولا يتقصّف ، أي لا ينكسر.
(٤) الغريض هو : الطريّ.
(٥) عُجم العنب هو : نواه الصغير.