ومن أعظم الإرب فيه خلقته العجيبة الدالّة على قدرة الخالق جلّ شأنه ، وتصرّفها فيما شاء كيف شاء لضرب من المصلحة.
فأمّا الطائر الصغير الذي يقال له : «ابن تمرة» (١) فقد عشّش في بعض الأوقات في بعض الشجر فنظر إلى حيّة عظيمة قد أقبلت نحو عشّه فاغرة فاها لتبلعه فبينما هو يتقلّب ويضطرب في طلب حيلة منها إذ وجد حسكة فحملها فألقاها في فمّ الحيّة ، فلم تزل الحيّة تلتوي وتتقلّب حتّى ماتت. أفرأيت لو لم اُخبرك بذلك كان يخطر ببالك أو ببال غيرك أنّه يكون من حسكة مثل هذه المنفعة العظيمة أو يكون من طائر صغير أو كبير مثل هذه الحيلة؟ اعتبر بهذا وكثير من الأشياء تكون فيها منافع لا تعرف إلاّ بحادث يحدث به أو خبر يسمع به.
انظر إلى النحل وإحتشاده في صنعة العسل ، وتهيئة البيوت المسدّسة وما ترى في ذلك إجتماعه من دقائق الفطنة ، فإنّك إذا تأمّلت العمل رأيته عجيبا لطيفا ، وإذا رأيت المعمول وجدته عظيما شريفا موقعه من الناس ، وإذا رجعت إلى الفاعل ألفيته غبيّا جاهلاً بنفسه فضلاً عمّا سوى ذلك ، ففي هذا أوضح الدلالة على أنّ الصواب والحكمة في هذه الصنعة ليس للنحل بل هي للذي طبعه عليها وسخّره فيها لمصلحة الناس» (٢).
١٧ ـ القوّة المودعة في الجراد على ضعفه بحيث يعجز الملوك عن إزالته :
__________________
(١) ابن تمرة : طائر أصغر من العصفور جميل المنظر له منقار دقيق يمتصّ به التمر والزهر.
(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص١٠٣).