«انظر إلى هذا الجراد ما أضعفه وأقواه فإنّك إذا تأمّلت خلقه رأيته كأضعف الأشياء ، وإن دَلَفَت عساكره نحو بلد من البلدان لم يستطع أحد أن يحميه منه. ألا ترى أنّ ملكا من ملوك الأرض لو جمع خيله ورجله ليحمي بلاده من الجراد لم يقدر على ذلك؟ أفليس من الدلائل على قدرة الخالق أن يبعث أضعف خلقه إلى أقوى خلقه فلا يستطيع دفعه؟
انظر إليه كيف ينساب على وجه الأرض مثل السيل فيغشي السهل والجبل والبدو والحضر ، حتّى يستر نور الشمس بكثرته فلو كان هذا ممّا يصنع بالأيدي متى كان يجتمع منه هذه الكثرة؟ وفي كم من سنة كان يرتفع ، فاستدلّ بذلك على القدرة التي لا يؤودها شيء ويكثر عليها» (١).
١٨ ـ عجيب الخلقة في الأسماك حيث هي مستغنية بالسباحة ، وغير محتاجة إلى الرئة ، ومكسوة بالقشور والأفلاس لتقيها من الآفات ، مع كثرة نسلها لكثرة الإحتياج إليها :
«تأمّل خلق السمك ومشاكلته للأمر الذي قدِّر أن يكون عليه ، فإنّه خلق غير ذي قوائم لأنّه لا يحتاج إلى المشي إذا كان مسكنه الماء ، وخلق غير ذي رئة لأنّه لا يستطيع أن يتنفّس وهو منغمس في اللجّة ، وجعلت له مكان القوائم أجنحة شداد يضرب بها في جانبيه كما يضرب الملاّح بالمجاذيف من جانبي السفينة ، وكسي جسمه
__________________
(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص١٠٨).