والأصناف التي لا تحصى ولا تعرف منافعها إلاّ الشيء بعد الشيء يدركه الناس بأسباب تحدث ؛ مثل القرمز (١) فإنّه إنّما عرف الناس صبغه بأنّ كلبة تجول على شاطئ البحر فوجدت شيئا من الصنف الذي يسمّى الحلزون (٢) فأكلته فاختضب خطمها بدمه فنظر الناس إلى حسنه فاتّخذوه صبغا ، وأشباه هذا ممّا يقف الناس عليه حالاً بعد حال وزمانا بعد زمان» (٣).
١٩ ـ حكمة التقدير في الألوان التي خلقها اللّه في هذه الموجودات ، كما ترى لون السماء أنسب لون لعين الإنسان :
«فكّر في لون السماء وما فيه من صواب التدبير فإنّ هذا اللون أشدّ الألوان موافقة للبصر وتقوية ، حتّى أنّ من صفات الأطباء لمن أصابه شيء أضرّ ببصره إدمان النظر إلى الخضرة وما قرب منها إلى السواد ، وقد وصف الحذّاق منهم لمن كَلَّ بصره الإطّلاع في إجّانة (٤) خضراء مملوّة ماءا.
فانظر كيف جعل اللّه جلّ وتعالى أديم السماء بهذا اللون الأخضر إلى السواد ليمسك الأبصار المنقلبة عليه فلا ينكأ فيها بطول مباشرتها له ، فصار هذا الذي أدركه الناس بالفكر والرويّة والتجارب يوجد مفروغا منه في الخلقة حكمة بالغة ليعتبر بها المعتبرون ، ويفكّر
__________________
(١) القرمز هو : الصبغ الأحمر.
(٢) الحلزون : دويبة صغيرة تكون في صدف وهي المعروفة بالبُزاق.
(٣) بحار الأنوار : (ج٣ ص١٠٩).
(٤) الإجّانة بكسر الهمزة وتشديد الجيم : إناء تُغسل فيه الثياب.