قبل بني إسرائيل وبعد إبراهيم صلوات الله عليه من نسل اولئك الرّهط ، فبعث الله شعيباً إلى أهل مدين ، ولم يكونوا فصيلة شعيب ولا قبيلته الّتي كان منها ، ولكنّهم كانوا أمّة من الامم بعث إليهم شعيب صلوات الله عليه.
وكان عليهم ملك جبّار ، لا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ، ويبخسوا النّاس أشياءهم ، مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيّه وعتوّهم ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها ، فكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطّعام ونقص مكائيلهم وموازينهم ، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك ما تقول فيما صنعت أراض أم أنت ساخط ؟ فقال شعيب : أوحى الله تعالى إليّ أنّ الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له : ملك فاجر ، فكذّبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته ، قال الله تعالى حكاية عنهم : « نُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا ».
فزادهم شعيب في الوعظ (١) ، فقالوا : يا شعيب : « أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ » فآذوه بالنّفي من بلادهم ، فسلّط الله عليهم الحرّ والغيم ، حتّى أنضجهم ، فلبثوا فيه تسعة أيّام ، وصار ماؤهم حميماً لا يستطيعون شربه ، فانطلقوا إلى غيضة لهم ، وهو قوله تعالى : « وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ » فرفع الله لهم سحابة سوداء ، فاجتمعوا في ظلّها ، فأرسل الله عليهم ناراً منها فاحرقتهم ، فلم ينج منهم أحد ، وذلك قوله تعالى : « فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ».
وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا ذكر عنده شعيب قال : ذلك خطيب الأنبياء يوم القيامة ، فلمّا أصاب قومه ما أصابهم لحق شعيب والّذين آمنوا معه بمكّة ، فلم يزالوا بها حتّى ماتوا.
والرّواية الصّحيحة : أنّ شعيباً عليه السّلام صار منها إلى مدين فأقام بها وبها لقيه موسى ابن عمران صلوات الله عليهما (٢).
_________________________________
(١) في ق ١ وق ٥ : الوعد.
(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥) ، برقم : (٩).