وثاروا إلى رجليه فقبلوهما ، فعرفهم وعرفوه واتّخذهم شيعته ، فمكث بعد ذلك ما شاء الله ، ثمّ خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجل من شيعته يقاتل رجلاً قبطيّاً فاستغاثه ، فوكز القبطي فمات ، فذكره النّاس وشاع أمره أنّ موسى قتل رجلاً من آل فرعون ، فكان خائفاً حتّى جاءه رجل وقال : إنّهم يطلبونك ، فخرج من مصر بغير دابّة حتّى انتهى إلى أرض مدين ، فانتهى إلى اصل شجرة تحتها بئر وعندها أمّة من النّاس وجاريتان معهما غنيمة (١) في ناحية ، فقال لهما : ما خطبكما ، قالتا : أبونا شيخ كبير ونحن ضيعفتان لا نزاحم الرّجال ، فاذا استقى النّاس وانصرفوا سقينا من بقيّة مائهم ، فرحمهما موسى فاخذ الدلو واستقى وسقي لهما ، فرجعتا قبل النّاس وجلس موسى موضعه.
قال ابوجعفر عليه السلام (٢) لقد قال : « رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ » وأنّه لمحتاج إلى شق تمرة. فلمّا رجعتا إلى أبيها قال : ما أعجلكما ! قالتا : وجدنا صالحاً رحمنا فسقي لنا ، فقال لاحداهما : اذهبي فادعيه فجاءت تمشي على استحياء ، قالت : إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، فقال موسى لها : وجّهيني إلى الطّريق وامشي خلفي ، فانّا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز (٣) النّساء.
فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص ، قال : لا تخف نجوت من
القوم الظّالمين ، ثمّ استأجره ليزوّجه ابنته ، فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطّريق
ليلاً ، فأورى ناراً فلم يمكنه الزّند (٤) ، فرآى ناراً فقال
لاهله : امكثوا إنّي آنست ناراً لعليّ آتيكم منها بقبس أو خبر ، فلمّا انتهى إلى النّار اذا شجرة تضطرم من أسفلها إلى أعلاها ،
فلمّا دنا منها تأخّرت ثمّ دنته ، فنودي : أنّي أنا الله ربّ العالمين ، وأن ألق عصاك ، فألقاها
فاذا هي حيّة مثل الجذع لأسنانها صرير يخرج من فمها مثل لهب النّار ، فولّى مرتعداً ، فنودي
:
_________________________________
(١) في ق ٣ : غنيمات.
(٢) كذا في ق ١ ولعلّه الصّحيح كما يظهر من البحار (١٣ / ٥٩) ، وفي بعض النّسخ بدون « عليه السّلام » فيمكن أن يكون المراد به : إمّا الصّدوق أو أحمد بن محمّد بن عيسى أو غيرهما ، وجملة « قال ابوجعفر » غير موجودة في كمال الدين (١ / ١٥٠) ولا في البحار (١٣ / ٣٨) ، سورة القصص : ٢٤.
(٣) الزيادة من البحار.
(٤) في ق ٢ : الوقد.