٢٩٥ ـ وبالاسناد المتقدّم ، عن وهب بن منبّه ، قال : كان بخت نصّر منذ ملك يتوقّع فساد بني إسرائيل ، ويعلم أنّه لا يطيقهم إلّا بمعصيتهم ، فلم يزل يأتيه العيون بأخبارهم ، حتّى تغيّرت حالهم وفشت فيهم المعاصي ، وقتلوا أنبياءهم ، وذلك قوله تعالى جلّ ذكره : « وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ » إلى قوله : « فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا » (١) يعني بخت نصّر وجنوده أقبلوا فنزلوا بساحتهم ، فلمّا رأوا ذلك ، فزعوا إلى ربّهم وتابوا وثابروا (٢) على الخير ، وأخذوا على أيدي سفهائهم ، وأنكروا المنكر ، وأظهروا المعروف ، فردّ الله لهم الكرّة على بخت نصّر ، وانصرفوا بعدما فتحوا المدينة ، وكان سبب انصرافهم أنّ سهماً وقع في جبين فرس بخت نصّر ، فجمح به حتّى أخرجه من باب المدينة.
ثمّ إنّ بني إسرائيل تغيّروا ، فما برحوا حتّى كرّ عليهم ، وذلك قوله تعالى : « فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ » (٣) فأخبرهم إرميا عليه السلام وأنّ بخت نصّر يتهيّأ للسير إليكم وقد غضب الله عليكم ، وأنّ الله تعالى جلّت عظمته يستتيبكم لصلاح آبائكم ويقول : هل وجدتم أحداً عصاني فسعد بمعصيتي أم هل علمتم أحداً أطاعني فشقي بطاعتي ؟ وأمّا أحباركم ورهبانكم فاتّخذوا عبادي خولاً يحكمون فيهم بغير كتابي حتّى أنسوهم ذكري ، وأمّا ملوككم وأمراؤكم فبطروا نعمتي وغرّتهم الدّنيا ، وأمّا قرّاؤكم وفقهاؤكم فهم منقادون للملوك ، يبايعونهم على البدع ، ويطيعونهم في معصيتي وأمّا الأولاد فيخوضون مع الخائضين وفي كلّ ذلك اُلبسهم العافية ، فلأبدلنّهم بالعزّ ذلّاً وبالأمن خوفاً ، إن دعوني لم أجبهم وإن بكوا لم أرحمهم.
فلمّا بلّغهم ذلك نبيّهم فكذّبوه وقالوا : لقد أعظمت الفرية على الله تزعم أنّ الله يعطّل ( معطل ) مساجده من عبادته فقيّدوه وسجنوه فأقبل بخت نصّر وحاصرهم سبعة أشهر حتّى أكلوا خلاهم (٤) وشربوا أبوالهم ، ثمّ بطش بهم بطش الجبّارين بالقتل ، والصّلب ، والاحراق ، وجذع الأنوف ، ونزع الألسن والأنياب ، ووقف النّساء.
_________________________________
(١) سورة الاسراء : (٤ ـ ٥).
(٢) ثابر على الأمر : داوم عليه وواظبه. وفي ق ١ : وثاروا.
(٣) سورة الاسراء : (٧).
(٤) في ق ١ : حتّى أكلوا خراهم.