عليه وهمّوا بتعذيبه وقتله ، فهرب منهم ، فلحق بأصعب جبل ، فبقي فيه وحده سبع سنين ، يأكل من نبات الأرض وثمار الشّجر ، والله يخفي مكانه.
فأمرض الله ابنا للملك مرضاً شديداً حتّى يئس منه ، وكان أعزّ ولده عليه ، فاستشفعوا إلى عبدة الصّنم ليستشفعوا له فلم ينفع ، فبعثوا النّاس إلى حدّ الجبل الّذي فيه إلياس عليه السلام وكانوا يقولون : اهبط إلينا واشفع لنا ، فنزل إلياس من الجبل.
وقال : إنّ الله أرسلني إليكم وإلى من وراءكم ، فاسمعوا رسالة ربّكم يقول الله : ارجعوا الى الملك ، فقولوا له : إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا إله بني إسرائيل الّذي خلقهم ، وأنا الذي أرزقهم وأُحييهم وأُميتهم وأضرّهم وأنفعهم ، وتطلب الشّفاء لابنك من غيري ، فلمّا صاروا إلى الملك وقصّوا عليه القصّة امتلأ غيظاً.
فقال : ما الّذي منعكم أن تبطشوا به ؟ حين لقيتموه وتوثقوه وتأتوني به فانّه عدوّي ، قالوا : لمّا صار معنا قذف في قلوبنا الرّعب عنه ، فندب خمسين من قومه من ذوي البطش وأوصاهم بالاحتيال له وإطماعه في أنّهم آمنوا به ليفترّ بهم فيمكّنهم من نفسه.
فانطلقوا حتّى ارتقوا ذلك الجبل الّذي فيه إلياس عليه السلام ثمّ تفرّقوا فيه ، وهم ينادونه بأعلى صوتهم ، ويقولون : يا نبيّ الله ابرز لنا ، فانّا آمنّا بك ، فلمّا سمع إلياس مقالتهم طمع في إيمانهم وكان (١) في مغار ، فقال : اللّهمّ إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي في النّزول إليهم ، وان كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم ، فما استتمّ قوله حتّى حصبوا بالنّار من فوقهم فاحترقوا.
فبلغ الملك خبرهم ، فاشتدّ غيظه ، فانتدب كاتب امرأته المؤمن وبعث معه جماعة إلى الجبل ، وقال له : قد آن أن أتوب ، فانطلق لنا إليه حتّى يرجع إلينا يأمرنا وينهانا بما يرضى ربّنا وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام.
فانطلق كاتبها والفئة الّذين أنفذهم معه حتّى علا إلى الجبل الّذي فيه إلياس ، ثمّ ناداه فعرف إلياس صوته ، فأوحى الله تعالى إليه أن ابرز إلى أخيك الصّالح وصافحه وحيّه ، فقال المؤمن : بعثني إليك هذا الطّاغي وقومه وقصّ عليه ما قالوا.
_________________________________
(١) كذا في ق ١ ، وفي بقيّة النّسخ : فكان.