فأخبر يونس عليه السلام تنوخا العابد به وروبيل ليعلماهم ، فقال تنوخا : أرى لكم أن تعزلوا الأطفال عن الأمّهات في أسفل الجبل في طريق الأدوية ، فاذا رأيتم ريحاً صفراء أقبلت من المشرق ، فعجّوا بالصّراخ والتّوبة إلى الله تعالى جلّت قدرته بالاستغفار ، وارفعوا رؤوسكم إلى السّماء ، وقولوا : ربّنا ظلمنا أنفسنا فاقبل توبتنا.
ولا تَمُلُّن (١) من التّضرّع إلى الله جلّت عظمته والبكاء حتّى تتوارى الشّمس بالحجاب ويكشف الله عنكم العذاب ، ففعلوا ذلك فتاب عليهم ولم يكن الله اشترط على يونس أنّه يهلكهم بالعذاب إذا أنزله.
فأوحى الله جلّ جلاله إلى إسرافيل : أن اصرف عنهم ما قد نزل بهم من العذاب ، فهبط إسرافيل عليهم ، فنشر أجنحته فاستاق (٢) بها العذاب حتّى ضرب بها الجبال الّتي بناحية الموصل ، فصارت حديداً إلى يوم القيامة ، فلمّا رآى قوم يونس أنّ العذاب صرف عنهم حمدوا الله وهبطوا إلى منازلهم وضمّوا إليهم نساءهم وأولادهم.
وغاب يونس عليه السلام عن قومه ثمانية وعشرين يوماً ، سبعة في ذهابه ، وسبعة في بطن الحوت ، وسبعة بالعراء ، وسبعة في رجوعه إلى قومه ، فأتاهم فآمنوا به وصدّقوه واتّبعوه عليه السلام (٣).
فصل ـ ٥ ـ
٢٩٥ ـ وباسناده عن ابن أرومة ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خرج يونس عليه السلام مغاضباً من قومه لما رأى من معاصيهم ، حتّى ركب مع قوم في سفينة في اليمّ ، فعرض لهم حوت ليغرقهم ، فساهموا ثلاث مرّات ، فقال يونس : إيّاي أراد ، فاقذفوني ، فلمّا أخذت السّمكة يونس عليه السلام أوحى الله تعالى إليها : إنّي لم أجعله لك رزقاً ، فلا تكسري له عظماً ولا تأكلي له لحماً.
_________________________________
(١) ولا تملّوا : البحار وق ١.
(٢) وفي النّسخ الخطيّة : فاستلقى. وهو غلطٌ والصّحيح ما وضعناه في المتن عن البحار. أي دفع باجنحته العذاب إلى الخلف. عكس : جرّه بها.
(٣) بحار الانوار (١٤ / ٣٩٩) مثله باختصار عن تفسير العيّاشي مطوّلاً ومفصّلاً.