يغشى حوّا خمسمائة سنة (١) ، ثمّ وهب الله له شيئاً وهو هبة الله ، وهو أوّل وصي أُوصي إليه من بني آدم في الأرض ، ثمّ وراه بعده يافث ، فلمّا أدركا وأراد الله أن يبلغ بالنّسل ما ترون أنزل بعد العصر يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزلة ، فأمر الله أن يزوّجها من شيث ، ثمّ أنزل الله بعد العصر من الغد حوراء من الجنّة اسمها منزلة ، فأمر الله آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه ، فولد (٢) لشيث غلام وليافث جارية ، فأمر الله آدم عليه السّلام حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث ، ففعل فولد الصّفوة من النّبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك ما قالوه من الإِخوة والأخوات ومناكحهما.
قال : فلم يلبث آدم صلوات الله عليه بعد ذلك إلّا يسيراً حتّى مرض (٣) فدعا شيثاً وقال : يا بنيّ إنّ أجلي قد حضر وأنا مريض فانّ ربيّ قد أنزل من سلطانه ما قد ترى ، وقد عهد إليّ فيما قد عهد أن أجعلك وصيّي (٤) وخازن ما استودعني ، وهذا كتاب الوصيّة تحت رأسي وفيه أثر العلم واسم الله الأكبر ، فاذا أنا متّ فخذ الصّحيفة وإيّاك أن يطّلع عليها أحدٌ (٥) وأن تنظر فيها إلى قابل في مثل هذا اليوم الّذي يصير إليك فيه ، وفيها جميع ما تحتاج إليه من اُمور دينك ودنياك وكان آدم صلوات الله وسلامه عليه نزل بالصّحيفة الّتي فيها الوصيّة من الجنّة.
ثمّ قال آدم لشيث صلوات الله عليهما : يا بنيّ إنّي قد اشتهيت ثمرة من ثمار الجنّة ، فاصعد إلى جبل الحديد ، فانظر من لقيته من الملائكة ، فاقرأه منّي السّلام وقل له : إنّ أبي مريض وهو يستهديكم من ثمار الجنّة ، قال : فمضى حتّى صعد إلى الجبل فاذا هو بجبرئيل في قبائل من الملائكة صلوات الله عليهم.
فبدأه جبرائيل بالسّلام ، ثم قال : إلى أين يا شيث ؟
فقال له شيث : ومن أنت يا عبد الله ؟ قال : أنا الرّوح الأمين جبرئيل ، فقال : إنّ أبي مريض وقد (٦) أرسلني إليكم ،
_________________________________
(١) في ق ٣ : عام.
(٢) في ق ٢ : فولدت.
(٣) في ق ٣ : فمرض.
(٤) في ق ٢ : وصيّاً.
(٥) في ق ٣ : أن تطلع عليها أحداً.
(٦) في ق ٢ : وهو.