سَكَّنُوا الهاءَ في أَهْلُون ولم يُحَرِّكُوها كما حَرَّكُوا أَرَضِين؟ فقالَ : لأَنَّ الأَهْلَ مُذَكَّرٌ ، قيلَ : فلِمَ قالُوا أَهَلات؟ قالَ : شبَّهُوها بأَرَضات ، وأَنْشَدَ بَيْتَ المُخَبَّلِ ، قالَ : ومن العَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَهْلات على القياسِ. وأَهَلَ الرجلُ يَأهُلُ ويَأْهِلُ من حَدَّيِ نَصَرَ وضَرَبَ أُهولاً بالضمِ هذا عن يُونُسَ ، زَادَ غيرُه : وتأَهَّلَ واتَّهَلَ على افْتَعَلَ اتَّخَذَ أَهْلاً وقال يُونُس : أَي تَزَوَّجَ. وأَهْلُ الأَمْرِ وُلاتُه وقد تقدَّم في أُولي الأَمْرِ. والأَهْلُ للبيتِ سُكَّانُه ومن ذلك أَهْلُ القُرَى : سُكَّانُها. والأَهْلُ للمَذْهَبِ مَنْ يَدِينُ به ويَعْتَقِدُه. ومن المجازِ الأَهْلُ للرجُلِ زَوْجَتُه ويَدْخلُ فيه الأَولادَ ، وبه فُسِّرَ قَوْلُه تعَالَى : (وَسارَ بِأَهْلِهِ) (١) أي زَوْجَتُه وأَوْلَادُه. كأَهْلَتِه بالتاءِ والأَهْلُ للنبي صلىاللهعليهوسلم أزواجه وبناته وصهره علي رضي الله تعالى عنه أو نِساؤه وقبل أهله الرّجال الذين هم آله ويدخلُ فيه الأَحْفادُ والذريات ، ومنه قَوْلُه تَعَالَى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) (٢) ، وقَوْلُه تَعَالَى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) (٣) ، وقَوْلُه تَعَالَى : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (٤). والأَهْلُ لكلِّ نَبِيٍّ أُمَّتُه وأَهْلُ مِلَّتِه ، ومنه قَوْلُه تَعَالَى : (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) (٥). وقالَ الرَّاغِبُ وتَبِعَه المَنَاوِيّ : أَهْلُ الرجلِ مَنْ يَجْمَعُه وإِيَّاهم نَسَبٌ أو دِينٌ أَو ما يَجْرِي مَجْرَاهُما من صناعةٍ وبيتٍ وبلدٍ فأَهْلُ الرجلِ (٦) مَنْ يَجْمَعُه وإِياهم مَسْكَنٌ واحدٌ ثم تَجَوَّزَ به فقيلَ : أَهْلُ بيتِه مَنْ يَجْمَعُه وإِيَّاهُم نَسَبٌ أو ما ذُكِرَ وتُعُورف في أُسْرةِ النبيِّ صلىاللهعليهوسلم مُطْلقاً. ومكانٌ آهِلٌ كصاحِبٍ له أَهْلٌ كذا نصّ ابنِ السِّكِّيت هو على النَسَب ، ونصّ يُونُس به أَهْلُه ، قالَ ابنُ السِّكِّيت : ومكانٌ مأْهُولٌ فيه أَهْلُهُ وأَنْشَدَ :
وقِدْماً كانَ مَأْهُولاً |
|
فأَمْسَى مَرْتعَ العُفْر (٧) |
والجَمْعُ المآهِلُ قالَ رُؤْبَةُ :
عَرَفْتُ بالنَّصْرِيَّةِ المَنَازِلا |
|
قَفْراً وكانت مِنْهُمُ مَآهلاً(٨) |
وقد أُهِلَ المكانُ كعُنِيَ صارَ مأْهُولاً قال العَجَّاجُ :
قَفْرَيْنِ هذا ثم ذا لم يُؤْهَل (٩)
وكلُّ ما ألِفَ من الدَّوابِّ المَازِلَ فأَهْلِيٌّ وما لَمْ يأْلَفْ فوحْشِيٌّ وقد ذُكِرَ ومنه الحدِيثُ : نَهَى عن أَكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. وكذلك أَهِلٌ ككَتِفٍ وقولُهم في الدُّعاءِ مَرْحَباً وأَهْلاً أي أَتَيْتَ سَعَة لا ضيقاً وأَتَيْتَ (١٠) أَهْلاً لا غُرَباءَ ولا أَجانِبَ فاسْتَأْنِسْ ولا تَسْتَوْحِشْ. وأَهَّلَ به تأهِيلاً قال له ذلك وكذلك رَحَّبَ به وقال الكِسَائِيّ والفرَّاءُ ، أَنِسَ به ووَدِقَ به اسْتَأْنَسَ به. قالَ ابنُ بَرِّي : المُضَارِعُ منه آهَلُ به بفتحِ الهاءِ. وأَهِلَ الرجل كفرِحَ أَنِسَ وهو أَهْلٌ لكذا أَي مُسْتَوْجِبٌ له ومُسْتَحِقٌّ ومنه قَوْلُه تعَالَى : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (١١). للواحِدِ والجميعِ. وأَهَّلَهُ لذلك تَأْهِيلاً وآهَلَهُ بالمدِّ رآه له أَهْلاً ومُسْتَحِقًّا أو جَعَلَه أَهْلاً لذلك واسْتَأْهَلَهُ اسْتَوْجَبَهُ لُغَةٌ جَيِّدَةٌ وإِنْكارُ الجوهريّ لها باطِلٌ قال شيْخُنا : قَوْلُ المصنِّفِ باطِلٌ هو البَاطِلُ وليْسَ الجَوْهَرِيُّ أَوَّل مَنْ أَنْكَرَه بل أَنْكَرَه الجماهِيرُ قَبْلَه وقالُوا : إنَّه غيرُ فصيحٍ وضعفه في الفصيحِ وأَقرَّه شرَّاحه وقالُوا : هو وَاردٌ ولكنَّه دونَ غيرِه في الفَصَاحةِ ، وصرَّحَ الحريرِي بأَنَّه من الأَوْهامِ ولا سيَّما والجَوْهَرِيُّ التزَمَ أَنْ لا يَذْكُرَ إِلَّا ما صحَّ عنْدَه فكيفَ يثبت عليه ما لم يصح عنْدَه فمِثْل هذا الكَلَام من خرافاتِ المصنِّفِ وعدم قيامِهِ بالإِنْصَافِ انْتَهَى.
قلْتُ وهذا نكيرٌ بالغٌ من شيْخِنا على المصنِّفِ بما لا يَسْتَأْهِلُه فقد صرَّحَ الأَزْهرِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ وغَيرُهما من أَئِمَّة التَّحْقِيق بجودةِ هذه اللغةِ وتَبِعَهم الصاغانيّ قالَ في التَّهْذِيبِ : خطَّأَ بَعْضُهم (١٢) قَوْلَ من يقُول : فلانٌ يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُكْرَم أو يُهان بمعْنَى يَسْتَحق ، قالَ : ولا يكونُ الاسْتِئْهال إلَّا من الإِهَالةِ قالَ : وأمَّا أَنَا فلا أُنْكرُه ولا أُخَطَّىءُ من قالَه لأَني سَمِعْتَ أَعرابيًّا فَصِيحاً من بني أَسدِ يقُول لرجلٍ شكر عنْدَه يَداً أُولِيَها : تَسْتأْهِل يا أَبَا حازمٍ ما أُولِيتُ وحَضَرَ ذلِكَ
__________________
(١) القصص ٢٩.
(٢) سورة طه الآية ١٣٢.
(٣) سورة الأحزاب الآية ٣٣.
(٤) سورة هود الآية ٧٣.
(٥) مريم الآية ٥٥.
(٦) في المفردات : فأهل الرجل في الأصل من يجمعه.
(٧) التهذيب واللسان والمقاييس ١ / ١٥٠.
(٨) ديوانه ص ١٢١ واللسان والتهذيب والمقاييس ١ / ١٥٠.
(٩) اللسان.
(١٠) في القاموس : صادَفْتَ.
(١١) سورة المدثر : الآية ٥٦.
(١٢) في التهذيب : «بعض الناس».