لقد زَعَمَتْ أُمامَةُ أَنَّ ما لي |
|
بَنِيَّ وأَنَّني رَجُلٌ ضَلُولُ(١) |
وضَلِلْتَ الدَّارَ والمَسْجدَ والطَّريقَ ، كمَلِلْتَ ، وكلُّ شيءٍ مُقيمٍ ثابِتٍ لا يُهْتَدَى له.
وضَلَّ هو عنِّي ضَلالاً وضلالَةً أَي ذَهَبَ.
وفي الصِّحاحِ : قالَ ابنُ السِّكِّيت ضَلَلْت المَسْجدَ والدَّارَ إذا لم تَعْرفْ مَوْضِعَهما ، وكذلِكَ كلُّ شيءٍ مُقيمٍ لا يُهْتَدَى له.
قالَ ابنُ بَرِّي : قالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاءِ : إذا لم تَعْرفِ المَكَانَ قلْتَ ضَلَلْتُه ، وإذا سَقَطَ من يَدِكَ شيءٌ قلْتَ أَضْلَلْته ، قالَ : يَعْنِي أَنَّ المَكانَ لا يَضِلُّ وإنَّما أَنْتَ تَضِلُّ عنه ، وإذا سَقَطَتِ الدَّراهمُ منك فقد ضَلَّتْ عنك ، تقولُ للشَّيءِ الزَّائِلِ عن مَوْضِعِه : قد أَضْلَلْته ، وللشَّيءِ الثابِتِ في مَوْضِعِه إلَّا أَنَّك لم تَهْتَدِ إليه : ضَلَلْته ، قالَ الفَرَزْدَقُ :
ولقد ضَلَلْت أَبَاكَ يَدْعُو دارِماً |
|
كضَلالِ مُلْتَمِسٍ طَريقَ وَبارِ (٢) |
وأَضَلَّ فلانٌ البعيرَ والفَرَسَ : ذَهَبَا عنه واتْفَلَتا.
قالَ أَبُو عَمْرٍو : وأَضْلَلْت بَعِيرِي إذا كانَ مَعْقولاً فلم نَهْتَدِ لمَكَانِه ، وأَضْلَلْته إضْلالاً إذا كان مُطْلَقاً فذَهَبَ ولا تَدْرِي أَيْن أَخَذَ. وكلُّ ما جَاءَ من الضَّلالِ من قِبَلِك قلْتَ ضَلَلْته ، وما جَاءَ من المَفْعولِ به قلْتَ أَضْلَلْته ، كضَلَّهُما.
قالَ يونُس : يقالُ في غيرِ الثابِتِ ضَلَّ فلانٌ بَعِيرَه أَي أَضَلَّه.
قالَ الأَزْهَرِيُّ : خالفَهُم يونُس في هذا.
وضَلَّ الشَّيءُ يَضِلُّ ، أَي بفتحِ العَيْنِ في المَاضِي وكَسْرِها في المضَارِعَ وتُفْتَحُ الضَّادُ في المضَارعِ أَي مَعَ كَسْرِ العَيْنِ في المَاضِي ، وبهذا ينْدَفِعُ ما أَوْرَدَه شيْخُنا قَضِيّته فَتْحِ الضَّادِ في مُضَارعِ ضَلَّ المَفْتُوح ولا وَجْه له إذ لا حَرْف حَلْقٍ فيه ، والمَفْتُوحُ إنّما سُمِعَ في المَكْسورِ العَيْنِ كمل واللهُ أَعْلم انتهى. نعم لو قالَ : وضَلُّ كزَلَّ ومَلّ لانْدَفَعَت عنه الشُّبْهَةُ.
ضَلالاً مَصْدَرٌ لهما كسَمِعَ يسْمعُ سَمَاعاً : ضَاعَ ، ومنه قَوْلُه تعالَى : (ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٣) ، أَي ضَاعَ وهو مجازٌ.
وضَلَّ الرجُلُ : مَاتَ وصارَ تُراباً وعِظاماً فَضَلَّ فلم يَبِنْ شيءٌ من خَلقِه ، وفي التَّنْزيلِ العَزِيزِ : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) (٤) ، أَي مِتْنا وصِرْنا تُراباً وعِظَاماً فَضَلَلْنا في الأَرْضِ فلم يَتَبَيَّنْ شيءٌ من خَلْقنا ، وقالَ الرَّاغِبُ هو كنايَةٌ عن المَوْتِ واسْتِحَالَةِ البَدَنِ ، وقُرِىءَ بالصَّادِ كما تقدَّمَ.
وضَلَّ الشَّيءُ إذا خَفِيَ وغَابَ ، ومنه : ضَلَّ الماءُ في اللَّبَنِ ، وهو مجازٌ.
ويقالُ : ضَلَّ الكَافِرُ إذا غَابَ عن الحُجَّةِ ، وضَلَّ النَّاسِي إذا غَابَ عنه حفْظُه.
وفي الحدِيثِ : «أنَّ رَجُلاً أَوْصَى بَنِيه إذا مِتُّ فاحْرِقُوني فإذا صِرْتُ حمماً فاسْهَكُوني ثم ذَرُّوني لَعَلِّي أَضِلُّ اللهَ» ، أَي أَغِيبُ عن عَذَابِ اللهِ ، وقالَ القُتَيْبيُّ : أَي لَعَلِّي أَفُوتُ اللهَ ويَخْفَى عليه مَكَاني.
وضَلَّ فلانٌ فلاناً : أُنْسِيَهُ.
والضَّلالُ : النِّسْيَان ، ومنه قَوْلُه تعالَى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) (٥) ، أَي تَغِيب عن حِفْظِها أَو يَغِيب حِفْظها عنها. قالَ الرَّاغِبُ : وذلِكَ من النِّسْيان المَوْضُوع في الإِنْسانِ ، وقُرِىءَ : إنْ تَضِلَّ ، بكَسْرِ الهَمْزَةِ ، فمن كَسَرَ «إنْ» فالكَلامُ على لَفْظِ الجَزَاءِ ومعْنَاه ، قالَ الزَّجَّاجُ : المعْنَى في «إنْ تَضِلَّ» إنْ تَنْسَ إحْدَاهما يُذَكِّرْها الذَّاكِرَةُ ، قالَ : وتُذْكِر وتُذَكِّر رَفْعٌ مَعَ كَسْرِ «إِنْ» لا غَيْر ، ومن قَرَأَ (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ) ، وهي قِرَاءَةُ أَكْثَر الناسِ ، فَذَكَرَ الخَلِيلُ وسِيْبَوَيْه أَنَّ المعْنَى اسْتَشْهِدوا امْرَأَتَيْن لأنْ تُذَكِّرَ إِحْدَاهما الأُخْرى ومِنْ أَجْلِ أَنْ تُذَكِّرَها ، فإنْ قالَ إنْسانٌ : فَلِمَ جَازَ أَنْ تَضِلَّ وإنَّما أُعِدُّ هذا للإذْكَار ، فالجَوابُ عنه : أَنَّ الإِذْكَارَ لما كانَ سَبَبَه الإِضْلال
__________________
(١) اللسان.
(٢) ديوانه ط بيروت ١ / ٣٦٠ برواية : «تطلب دارماً» واللسان.
(٣) سورة الكهف الآية ١٠٤.
(٤) السجدة الآية ١٠.
(٥) البقرة الآية ٢٨٢.