الحَمْلِ على الضَّلالِ والدُّخولِ فيه ، كقَوْلِه تعالَى : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النّاسِ) (١) ، أَي ضَلُّوا بَسَبَبِها لأَنَّ الأَصْنامَ لا تَفْعلُ شيئاً ولا تَعْقِلُ.
وقالَ الرَّاغِبُ : الإضْلالُ ضَرْبان : أَحَدُهما أَنْ يكونَ سَبَبَه الضَّلالُ وذلِكَ على وجْهَيْن : إمَّا بأَنْ يضلَّ عَنْك الشَّيء كقَوْلِكَ أَضْلَلْت البَعيرَ أَي ضَلَّ عَنِّي ، وإمَّا أَنْ يحْكمَ بضَلالَةٍ والضَّلالُ في هذَيْن سَبَبٌ (٢) للإِضْلالِ.
والضَّربُ الثاني : أَنْ يكونَ الإضْلالُ سَبَباً للضَّلالِ وهو أَن يُزَيِّنَ للإِنْسانِ الباطِلَ ليَضلَّ كقَوْلِه تعالَى : [إذ هَمَّتْ طائِفَتَان](لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلّا أَنْفُسَهُمْ) (٣) أَي يَتَحَرُّون أَفْعالاً يَقْصِدُون بها أَنْ تَضلَّ فلا يَحْصَل من فعْلِهم ذلِكَ ، إلَّا ما فيه ضَلالُ أَنْفُسِهم.
وقالَ عن الشَّيْطانِ (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) (٤).
وقالَ في الشَّيْطان (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) (٥).
وإضْلالُ اللهِ تعالَى للإِنْسانِ على وَجْهَيْنِ : أَحَدُهما : أَنْ يكونَ سَببه الضَّلالَ وهو أَنْ يَضِلَّ الإنْسانُ فيَحْكُم اللهُ تعالَى عَلَيه بذلِكَ في الدُّنْيا ويَعْدلَ به عن طَريقِ الجَنَّة إلى النَّارِ في الآخِرَةِ ، وذلِكَ إضْلالٌ هو عَدْلٌ وحقٌّ ، والحُكْمُ على الضَّالِّ بضَلالِه والعُدُولُ به عن طريقِ الجَنَّةِ إلى النَّارِ عَدْلٌ.
والثَّاني : من إضْلالِ اللهِ هو أَنَّ اللهَ تعالَى وَضَعَ جبلَّةَ الإنْسانِ على هَيْئَةٍ إذا رَاعَى طَريقاً مَحْموداً كانَ أَو مَذْموماً أَلِفَه واسْتَطَابَه ولَزِمَه وتَعَسَّر (٦) صَرْفه وانْصِرَافَه عنه ويَصِيرُ ذلِكَ كالطَّبْعِ الذي يَأْبَى على الناقِلِ ، ولذلِكَ قيلَ : العَادَةُ طَبْعٌ ثانٍ ، وهذه القُوَّةُ في الإِنْسانِ فِعْلٌ إلهِيٌّ ، وإذا كانَ كذلِكَ صحَّ أَنْ يُنْسَبَ ضلالُ العَبْدِ إلى اللهِ من هذا الوَجْه فيقالُ : أَضَلَّه اللهُ لأنَّ كلَّ شيءٍ يكونُ سَبَباً في وُقُوعِ فِعْلٍ صحَّ نِسَبةُ ذلك الفِعْلِ إليه لا على الوَجْه الذي يَتَصَوَّرُه الجَهَلَةُ ولما قُلْنا جَعَلَ الإضْلالَ المَنْسوبَ إلى نَفْسِه للكَافِرِ والفَاسِقِ دوْنَ المُؤْمِن بل نَفَى عن نَفْسِه إِضْلالَ المُؤْمِن ، فقالَ : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) (٧) ، وقالَ في الكَافِر ، والفاسِقِ : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (٨) (... وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (٩) ، (... كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) (١٠) (... وَيُضِلُّ اللهُ الظّالِمِينَ) (١١). وعلى هذا النَّحْوِ تَقْلِيب الأَفْئِدَة والخَتْم على القَلْب والزِّيادَة في المَرَضِ ، انْتَهَى.
ويقالُ : هو ضَالٌّ تَالٌّ.
وقَوْلُه تعالَى : (وَلَا الضّالِّينَ) (١٢) ، قيلَ : عَنَى بهم النَّصَارَى ، وقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ :
رَآها الفُؤادُ فاسْتُضِلَّ ضَلالُه |
|
نِيَافاً من البِيضِ الكِرامِ العَطَابِلِ (١٣) |
قالَ السُّكَّرِيُّ : طُلِبَ أَنْ يَضِلَّ فَضَلَّ كما يقالُ جُنَّ جُنونُه ، ومِثْلُه في الصِّحاحِ : ويقالُ : ضَلَّ ضَلالُه ، قالَ أَوْس بنُ حَجَرٍ :
إذا ناقةٌ شُدَّتْ برَحْل ونُمْرُقٍ |
|
إلى حَكَمٍ بَعْدي فضَلَّ ضَلالُها (١٤) |
وأَضَلَّه إضْلالاً : ضَيَّعَه وأَهْلَكَه.
وأَضَلَّه : وَجَدَه ضَالاً ، كأَحْمَدَه وأَبْخَلَه ، ومنه الحدِيثُ : أَتَى قَوْماً فأَضَلَّهم ، أَي وَجَدَهُم ضُلَّالاً غَيْرَ مُهْتدِيْن إلى الحقِّ.
وقَوْلُه تعالَى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (١٥) ، أَي هَلاكٍ.
__________________
(١) سورة ابراهيم الآية ٣٦.
(٢) في المفردات : سببُ الإضلال.
(٣) سورة النساء الآية ١١٣.
(٤) سورة النساء الآية ١١٩.
(٥) سورة يس الآية ٦٢.
(٦) المفردات : وتعذّر.
(٧) سورة التوبة الآية ١١٥.
(٨) سورة محمد الآية ٨.
(٩) البقرة الآية ٢٦.
(١٠) غافر الآية ٢٧.
(١١) إبراهيم الآية ٢٧.
(١٢) الفاتحة الآية ٧.
(١٣) ديوان الهذليين ١ / ١٤١ واللسان.
(١٤) ديوانه ط بيروت ١٠٠ واللسان.
(١٥) القمر الآية ٤٧.