الصَّدَقاتِ) أي يبارك في المال الذي أخرجت منه في الدنيا والآخرة وفي الحديث : «إن الملك ينادي كل يوم اللهم يسر لكل منفق خلفا ولممسك تلفا» (١). (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ) أي جاحد بتحريم الربا (أَثِيمٍ) (٢٧٦) أي فاجر بأخذه مع اعتقاد التحريم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسله وكتبه وبتحريم الربا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي فيما بينهم وبين ربهم وتركوا الربا (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي أتموا الصلوات الخمس بما يجب فيها (وَآتَوُا الزَّكاةَ) أي أعطوا زكاة أموالهم (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) في الجنة (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من مكروه آت (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢٧٧) على محبوب فات. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي قوا أنفسكم عقابه (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) أي اتركوا طلب ما بقي مما زاد على رؤوس أموالكم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٧٨) أي مصدقين بقلوبكم في تحريم الربا (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) ما أمرتم به بأن لم تتركوا الربا (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) أي فاستعدوا للعذاب من الله في الآخرة بالنار ، وللعذاب من رسوله في الدنيا بالسيف (وَإِنْ تُبْتُمْ) من معاملة الربا (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) أي أصولها دون الزيادة (لا تَظْلِمُونَ) الغريم بطلب الزيادة على رأس المال (وَلا تُظْلَمُونَ) (٢٧٩) أي بنقصان رأس المال وبالمطل (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) أي وإن وقع غريم من غرمائكم ذو حالة يتعسر فيها وجود المال فيجب عليكم إمهاله إلى وقت يسار وسعة. (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي تصدقكم على المعسر برءوس أموالكم خير لكم من الأخذ والتأخير لأنه حصل لكم الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٨٠) فضل التصدق على الأنظار والقبض (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) أي إلى حسابه لأعمالكم وهو يوم القيامة (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أي توفى فيه كل نفس برة وفاجرة جزاء ما عملت من خير أو شر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١) بنقص حسنة أو زيادة سيئة. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله والرسول (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) أي إذا داين بعضكم بعضا ، وعامله نسيئة معطيا أو آخذا إلى وقت معلوم بالأيام ، أو الأشهر ونحوهما مما يرفع الجهالة لا بالحصاد ونحوه مما لا يرفعها ، فاكتبوا الدين بأجله لأنه أوثق وأرفع للنزاع. والأكثرون على أن هذه الكتابة أمر استحباب ، فإن ترك فلا بأس وهو أمر تعليم ترجع فائدته إلى منافع الخلق في دنياهم ، فلا يثاب عليه المكلف إلا إن قصد الامتثال.
قال المفسرون : المراد بالمداينة السلم ، فالله تعالى لما منع الربا في الآية المتقدمة أذن في السلم في جميع هذه الآية ، مع أن جميع المنافع المطلوبة من الربا حاصلة في السلم ولهذا قال بعض العلماء : «لا لذة ولا منفعة يوصل إليها بالطريق الحرام إلا وضع الله تعالى لتحصيل مثل
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الزكاة ، باب : قول الله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) إلخ ، وأحمد في (م ٢ / ص ٣٠٦).