الكاتب ولي كل واحد من هؤلاء الثلاثة. والمراد بالولي هو الولي لغة وهو من له ولاية عليه بأي طريق كان كوصي وقيّم ومترجم (بِالْعَدْلِ) أي بالصدق من غير زيادة ونقص. (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) أي وأشهدوا على الدين شاهدين من الرجال البالغين الأحرار المسلمين. وعند شريح وابن سيرين وأحمد تجوز شهادة العبيد. وأجاز أبو حنيفة شهادة الكفار بعضهم على بعض (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) أي فإن لم يكن الشاهدان رجلين بأن لم يقصد إشهادهما فرجل وامرأتان كائنون (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ) لدينه وعدالته (مِنَ الشُّهَداءِ) يشهدون. وهذا تفسير للخير. (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى).
قرأ حمزة «أن تضل» بكسر «إن» ، «وتذكر» بالرفع والتشديد. وقرأ نافع وعاصم والكسائي «فتذكر» بالتشديد والنصب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف والنصب. أما سائر القراء فقرأوا بنصب «أن» على حذف لام التعليل ، أي وإنما اشترط التعدد في النساء لأجل أن تنسى إحدى المرأتين الشهادة لنقص عقلهن ، فتذكر إحداهما الذاكرة للشهادة المرأة الأخرى الناسية لها (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) أي ولا يمتنع الشهداء إذا دعوا إلى تحمل الشهادة وأدائها عند الحكام ، فيحرم الامتناع عليهم ، لأن تحمل الشهادة وفرض كفاية مطلقا ، والأداء كذلك إن زاد المتحملون على من يثبت بهم الحق وإلا ففرض عين. (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ) أي ولا تملوا أن تكتبوا الدين لكثرة وقوع المداينة على أي حال كان الدين قليلا أو كبيرا ، وعلى أي حال كان الكتاب مختصرا ، أو مشبعا حال كون الدين مستقرا في ذمة المديون إلى وقت حوله الذي أقر به المديون. أي فاكتبوا الدين بصفة أجله ولا تهملوا الأجل في الكتابة وقوله تعالى : (وَلا تَسْئَمُوا) معطوف على قوله تعالى : (فَاكْتُبُوهُ). (ذلِكُمْ) أي الكتابة للدين (أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) أي أعدل في حكم الله (وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) أي أبين للشاهد بالشهادة إذا نسي (وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) أي وأقرب إلى انتفاء شككم في قدر الدين وأجله (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ).
قرأ عاصم «تجارة» بالنصب على أنه خبر «تكون». والباقون بالرفع على أنه اسم «تكون» والخبر «تديرونها» ، و «إلا» إما استثناء متصل راجع إلى قوله تعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ). والتقدير إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه إلا أن يكون الأجل قريبا وهو المراد من التجارة الحاضرة ، وإما استثناء منقطع. فالتقدير : لكنه إذا كانت تجارتكم ومداينتكم تجارة حالة تتعاطونها يدا بيد ، أو التقدير لكن إذا كانت تجارة حاضرة مقبوضة بينكم ولا أجل فيها (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) أي ليس عليكم مضرة في ترك الكتابة في المداينة الحاضرة كأن باع ثوابا بدرهم في الذمة بشرط أن يؤدى الدرهم في هذه الساعة ، أي لا بأس بعدم الكتابة في ذلك