لبعده عن التنازع والنسيان. (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) بالأجل (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ) بالكتابة (وَلا شَهِيدٌ) بالشهادة. وهذا إما مبني للفاعل فيكون نهيا للكاتب والشهيد عن إضرار من له الحق ، وهو قول أكثر المفسرين والحسن وطاوس وقتادة ، ويدل على ذلك قراءة عمر رضياللهعنه ولا يضارر بالإظهار والكسر ، واختار الزجاج هذا القول لقوله تعالى : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) [البقرة : ٢٨٢] وذلك لأن اسم الفسق بمن يحرف الكتابة وبمن يمتنع عن الشهادة حتى يبطل الحق بالكلية ولأنه تعالى قال فيمن يمتنع عن الشهادة : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة : ٢٨٣] ـ والآثم والفاسق متقاربان ـ وإما مبني للمفعول فيكون نهيا لصاحب الحق عن إضرار الكاتب والشهيد ، كأنه يكلفهما ما لا يليق في الكتابة والشهادة ولا يعطي الكاتب جعله ولا الشهيد مؤنة مجيئه حيث كان فإن لهما الجعل ، ولا يكلفان الكتابة والشهادة مجانا ، وهو قول ابن مسعود وعطاء ومجاهد ، ويدل على ذلك قراءة ابن عباس «ولا يضارر» بالإظهار والفتح ، وهذا لو كان نهيا للكاتب والشهيد لقيل : وإن تفعلا فإنه فسوق بكما ، ولأن دلالة الكلام من أول الآيات إنما هو في المكتوب له والمشهود له. وإذا كان هذا النهي متوجها للذين يقدمون على المداينة فالمنهيون عن الضرار هم (وَإِنْ تَفْعَلُوا) ما نهيتم عنه من الضرير (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي فإن فعلكم ذلك معصية منكم وخروج عن طاعة الله (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما حذر منه وهو هنا المضارة. أو المعنى اتقوا الله في جميع أوامره ونواهيه (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) ما يكون إرشادا واحتياطا في أمر الدنيا كما يعلمكم ما يكون إرشادا في أمر الدين (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من مصالح الدنيا والآخرة (عَلِيمٌ) (٢٨٢) فلا يخفى عليه حالكم (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو «فرهن» بضم الراء والهاء أو سكونه. والباقون «فرهان» بكسر الراء وفتح الهاء مع المد و «على» بمعنى في أو بمعنى إلى. أي وإن كنتم مسافرين أو متوجهين إلى السفر ، ولم تجدوا كاتبا أو آلة الكتابة في المدينة فرهن مقبوضة بدل من الشاهدين ، أو يقال في الوثيقة رهان مقبوضة (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ) أي الدائن (بَعْضاً) أي المديون بالدين بلا رهن لحسن ظنه به (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ) بالدين (أَمانَتَهُ) أي حق صاحبه (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) أي وليخش المديون ربه في أداء الدين عند حلول الأجل من غير مماطلة ولا إنكار بل يعامل الدائن معاملة حسنة كما أحسن ظنه فيه (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) عند الحكام بإنكار العلم بتلك الواقعة أو بالامتناع من أداء الشهادة عند الحاجة إلى إقامتها. (وَمَنْ يَكْتُمْها) أي الشهادة (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) أي فاجر قلبه (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من كتمان الشهادة وإقامتها ومن الخيانة في الأمانة وعدمها (عَلِيمٌ) (٢٨٣) فيجازيكم على ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر. (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وملكا من الخلق والعجائب يأمر عباده بما يشاء (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) من العزم على السوء بأن تظهروه للناس بالقول أو بالفعل (أَوْ تُخْفُوهُ) بأن تكتموه منهم (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ) يوم القيامة. فالخواطر