نصرة الله لمحمد يوم بدر. ويقال : ـ أي في رؤية القليل كثيرا ـ من غلبة القليل العديم العدة على الكثير الشاكي السلاح (لَعِبْرَةً) أي لعظة عظيمة (لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١٣) أي لذوي العقول ووجه نظم هذه الآية المتقدمة وهي قوله تعالى : (سَتُغْلَبُونَ) نزلت في شأن اليهود وأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما دعاهم إلى الإسلام أظهروا التمرد وقالوا : لسنا أمثال قريش في الضعف وقلة المعرفة بالقتال ، بل معنا من الشوكة والمعرفة بالقتال كل من ينازعنا. فالله تعالى قال لهم : إنكم وإن كنتم أقوياء وأرباب العدد والعدة فإنكم ستغلبون. ثم ذكر الله تعالى ما يجري مجرى الدلالة على صحة ذلك القول فقال : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا).
ثم قيل : روينا أن أبا حارثة بن علقمة النصراني اعترف لأخيه بأنه يعرف صدق محمد صلىاللهعليهوسلم في قوله ، إلا أنه لا يقر بذلك خوفا من أن يأخذ منه ملوك الروم المال والجاه. وأيضا روينا أنه صلىاللهعليهوسلم لما دعا اليهود إلى الإسلام بعد غزوة بدر أظهروا من أنفسهم القوة والشدة والاستظهار بالمال والسلاح ، فبيّن الله تعالى أن هذه الأشياء وغيرها من متاع الدنيا زائلة وأن الآخرة خير وأبقى فقال : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) أي الأشياء المشتهيات (مِنَ النِّساءِ) وإنما قدمهن على الكل لأن الالتذاذ بهن أكثر والاستئناس بهن أتم (وَالْبَنِينَ) ولما كان حب الولد الذكر أكثر من حب الأنثى ، خصّه الله تعالى بالذكر ، ووجه التمتع بهم من حيث السرور بهم وغير ذلك. (وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) والقنطار بلسان الروم ملء مسك ثور من ذهب أو فضة. والقنطار واحد والقناطير ثلاثة ، والمقنطرة تسعة. ومعنى القناطير المقنطرة أي الأموال المجموعة والأموال المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير وإنما كانا محبوبين لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) أي المطهمة الحسان بأن تكون غرا محجلة (وَالْأَنْعامِ) وهي الإبل والبقر والغنم (وَالْحَرْثِ) أي المزروع (ذلِكَ) أي جميع ما سبق (مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي منفعة للناس في الدنيا ثم تفنى. (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١٤) أي المرجع في الآخرة ، وهو الجنة. (قُلْ) يا أشرف الخلق للكفار أو للناس عامة ـ وهو أمر للنبي صلىاللهعليهوسلم بتفصيل ما أجمل أولا ـ في قوله تعالى : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ). (أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) أي زينة الدنيا (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) أي تبتلوا إلى الله تعالى وأعرضوا عما سواه فلا تشغلهم الزينة عن طاعة الله تعالى (عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي عند ربهم بساتين تطرد من تحت شجرها ومساكنها أنهار الخمر والعسل واللبن والماء. (خالِدِينَ فِيها) أي مقيمين في الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها. (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) أي مهذبة من الحيض والنفاس والبصاق ، والمني وتشويه الخلقة ، وسوء العشرة والأخلاق الذميمة. (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) ورضا ربهم أكبر مما هم فيه من النعيم (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (١٥) أي بأحوال الذين اتقوا ثم وصفهم بقوله : (الَّذِينَ يَقُولُونَ) في الدنيا (رَبَّنا إِنَّنا