من جهتهم اتقاء. والمعنى أن الله نهى المؤمنين عن مداهنة الكفار إلا أن يكون الكفار غالبين ، أو يكون المؤمن في قوم كفار فيداهنهم بلسانه مطمئنا قلبه بالإيمان دفعا عن نفسه من غير أن يستحل دما حراما أو مالا حراما ، أو غير ذلك من المحرمات ومن غير أن يظهر الكفار على عورة المسلمين. والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل مع صحة النية.
روي عن الحسن أنه قال : التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان. قال الحسن : أخذ مسيلمة الكذاب رجلين من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لأحدهما : أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال : نعم ، نعم ، نعم. فقال : أفتشهد أني رسول الله؟ قال : نعم ، فتركه. ودعا الآخر فقال : أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال : نعم ، قال : أفتشهد أني رسول الله؟ فقال إني أصم ثلاثا فقدمه وقتله فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئا له وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه». (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أي ذاته المقدسة في التقية عن دم الحرام ، وفرج الحرام ، ومال الحرام ، وشرب الخمر ، وشهادة الزور ، والشرك بالله (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٢٨) أي المرجع فاحذروه ولا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه. والمعنى إن الله يحذركم عقابه عند مصيركم إلى الله (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ) أي ما في قلوبكم من البغض والعداوة لمحمد صلىاللهعليهوسلم (أَوْ تُبْدُوهُ) أي تظهروه بالشتم له والطعن والحرب (يَعْلَمْهُ اللهُ) أي يحفظه الله عليكم فيجازيكم به (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخير والشر والسر والعلانية (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أهل السموات والأرض وثوابهم وعقابهم (قَدِيرٌ) (٢٩) نزلت هذه الآية في حق المنافقين واليهود (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) أي مكتوبا في ديوانها (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) أي من قبيح تجده مكتوبا في ديوانها (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) أي والذي عملته نفس من سوء تتمنى تباعدا ما بين النفس وبين السوء مكانا بعيدا ـ كما بين المشرق والمغرب ـ لو أن بينها وبينه أجلا طويلا من مطلع الشمس إلى مغربها لفرحت بذلك. (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) عند المعصية ذكر الله تعالى هذا أولا : للمنع من موالاة الكافرين. وثانيا : للحث على عمل الخير والمنع من عمل الشر (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٣٠) أي المؤمنين ، أي كما هو منتقم من الفساق فهو رؤوف بالمطيعين والمحسنين (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) أي فاتبعوا ديني فإنكم إذا اتبعتم ديني فقد أطعتم الله فالله تعالى يحب كل من أطاعه (يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) أي إن اتبعتم شريعتي يرض الله عنكم ويكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عما سلف من ذنوبكم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣١) لمن يتحبب إليه بطاعته. نزلت هذه الآية في حق اليهود لقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه.
وقال الضحاك عن ابن عباس : وقف النبيّ صلىاللهعليهوسلم على قريش وهم في المسجد الحرام وقد