وفاطمة عليهن السلام» (١). (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) أي دومي على طاعته بأنواع الطاعات شكرا لذلك. ويقال : أطيلي القيام في الصلاة شكرا لربك (وَاسْجُدِي) أي صلي منفردة (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٤٣) أي صلي مع أهل الصلاة في بيت المقدس ـ فإن اقتداء النساء بالرجال حال الاختفاء من الرجال أفضل من الاقتداء بالنساء ـ قال المفسرون : لما ذكرت الملائكة هذه الكلمات على مريم شفاها قامت مريم في الصلاة ورمت قدماها وسال الدم والقيح من فمها. (ذلِكَ) الذي مضى ذكره من حديث حنة ومريم وزكريا (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أي من أخبار الغائب عنك يا محمد (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) أي نرسل جبريل بإلقاء الغائب إليك (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) أي عند الذين تنازعوا في تربية مريم (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) التي كانوا يكتبون بها الكتب في جري الماء ليعلموا (أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) أي أيّ أحدهم يربي مريم. وكان القراع على أن كل من جرى قلمه على عكس جري الماء فالحق معه (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٤٤) أي وما كنت هناك إذ يتقارعون تربية مريم وإذ يختصمون بسببها (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) أي جبريل : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) أي بولد يكون مخلوقا بكلمة من الله أي من غير واسطة الأسباب العادية فإن عيسى من كل علوق وإن وجد بكلمة كن لكنه بواسطة أب (اسْمُهُ) أي الولد (الْمَسِيحُ) سمي بالمسيح لأنه يسيح في البلدان ولأنه ما مسح بيده ذا عاهة إلا برىء من مرضه. (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) وإنما نسبه الله تعالى إلى الأم إعلاما لها بأنه محدث بغير الأب ، فكان ذلك سببا لزيادة فضله وعلو درجته. (وَجِيهاً) أي ذا جاه وشرف (فِي الدُّنْيا) بالنبوة وبإحياء الموتى وبإبراء الأكمه والأبرص بسبب دعائه (وَالْآخِرَةِ) بجعله شفيع أمته وبقبول شفاعته فيهم ، وبعلو درجته عند الله تعالى (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٥) إلى الله في جنة عدن وهذا الوصف كالتنبيه على أن عيسى سيرفع إلى السماء وتصاحبه الملائكة (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) أي في حجر أمه وهو ابن أربعين يوما بقوله : إني عبد الله (وَكَهْلاً) أي بعد ثلاثين سنة أي أن عيسى يكلم الناس مرة واحدة في حجر أمه لإظهار طهارة أمه من الفاحشة ، ثم عند الكهولة يتكلم بالنبوة (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٤٦) أي من المرسلين. (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) أي قالت مريم لجبريل : يا سيدي من أين يكون لي ولد (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) بالحلال ولا بالحرام ـ لأن المحررة لا تتزوج أبدا كالذكر المحرر ـ (قالَ) أي جبريل : (كَذلِكِ) أي الأمر كما قلت لك من خلق ولد منك بلا أب (اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً) أي إذا أراد خلق شيء (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ) لا غير (فَيَكُونُ) (٤٧) من غير ريث فنفخ جبريل في جيب درعها فوصل نفسه إلى فرجها فدخل رحمها فحملت منه (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ).
قرأ نافع وعاصم «يعلمه» بالياء معطوف على الحال وهي قوله : «وجيها» ـ فكأن جبريل
__________________
(١) رواه أحمد في (م ٣ / ص ١٣٥).