قال : وجيها ومعلما ـ أو على يبشرك. والباقون و «نعلمه» بالنون معمول لقول محذوف من كلام الملك تقديره «وجيها» ، ومقولا فيه نعلمه أو أن الله يبشرك بعيسى ويقول نعلمه كتب الأنبياء والكتابة أي الخط. (وَالْحِكْمَةَ) أي العلم المقترن بالعمل وتهذيب الأخلاق (وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (٤٨) وخصا بالذكر لفضلهما (وَ) نبعثه (رَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي) أي كلهم. وقيل : هو معطوف على الأحوال السابقة كأنه قيل : حال كونه وجيها ورسولا. وقرئ ورسول بالجر عطفا على كلمة والمعتمد عند الجمهور أن عيسى إنما نبىء على رأس الأربعين وأنه عاش في الأرض قبل رفعه مائة وعشرين سنة وهو آخر أنبياء بني إسرائيل كما أن أولهم يوسف بن يعقوب (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) بفتح الهمزة مجرور بالياء المقدرة التي للملابسة المتعلقة بمحذوف حال من رسول المقدر لما فيه من معنى النطق والتقدير ، فلما جاءهم قال لهم : إني رسول الله فيكم ملتبسا بأني قد جئتكم (بِآيَةٍ) أي بعلامة على صدقي في الرسالة (مِنْ رَبِّكُمْ) قالوا : وما هي؟ قال : هي (أَنِّي أَخْلُقُ) أي أصوّر (لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أي شيئا مثل صورة الطير (فَأَنْفُخُ فِيهِ) أي في فم ذلك المماثل لهيئة الطير (فَيَكُونُ) أي فيصير (طَيْراً) حيا يطير بين السماء والأرض (بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمره تعالى. فطلبوه بخلق الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا وأبلغ دلالة على القدرة لأن له نابا وأسنانا ويضحك كما يضحك الإنسان ، ويطير بغير ريش ولا يبصر في ضوء النهار ، ولا في ظلمة الليل ، وإنما يرى في ساعتين ساعة بعد المغرب وساعة بعد طلوع الفجر ، والأنثى منه لها ثدي وتحيض وتطهر وتلد ، فلما صور لهم خفاشا قالوا : هذا سحر فهل عندك غيره؟ قال : نعم (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) بالدعاء أي وأصحح الذي ولد أعمى أو الممسوح العينين (وَالْأَبْرَصَ) وهو الذي في جلده بياض شديد فلما فعل ذلك قالوا : هذا سحر فهل عندك غيره؟ قال : نعم (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) أي بالاسم الأعظم وهو «يا حي يا قيوم» فأحيا أربعة أنفس : أحيا عازرا بعد موته بثلاثة أيام حتى عاش وولد له. وأحيا ابن العجوز وهو ميت محمول على السرير فنزل عن سريره حيا ، ورجع إلى أهله وعاش وولد له. وأحيا بنت العاشر ـ أي الذي يأخذ العشور من الناس ـ بعد يوم من موتها فعاشت وولد لها ، فقالوا : لعيسى : إنك تحيي من كان قريب العهد من الموت فلعلهم لم يموتوا حقيقة بل أصابهم سكتة فأحي لنا سام بن نوح وهو قد مضى من موته أكثر من أربعة آلاف سنة ، فقام على قبره فدعا الله باسمه الأعظم فقام من قبره وقال للقوم : صدقوه فإنه نبي الله ومات في الحال فآمن به بعضهم وكذبه آخرون فقالوا : هذا سحر فهل عندك غيره؟ قال : نعم (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ) غدوة وعشية (وَما تَدَّخِرُونَ) أي ترفعون من غداء لعشاء ومن عشاء لغداء (فِي بُيُوتِكُمْ) مما لم أعاينه (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في ما قلت لكم من هذه الخمسة (لَآيَةً) أي لمعجزة قوية دالة على صحة رسالتي دلالة واضحة (لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٤٩) أي مصدقين انتفعتم بها (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) أي لما قبلي (مِنَ التَّوْراةِ) وبين موسى وعيسى