بعث إلى الحواريين فانتزعهم من أيديهم وسألهم عن عيسى عليهالسلام فأخبروه فتابعهم على دينهم وأنزل المصلوب فغيّبه وأخذ الخشبة فأكرمها وصانها ، ثم غزا بني إسرائيل وقتل منهم خلقا عظيما ومنه ظهر أصل النصرانية في الروم ، وكان اسم هذا الملك طباريس وهو قد صار نصرانيا إلا أنه لم يظهر ذلك ثم جاء بعده ملك آخر يقال له ملطيس ، وغزا بيت المقدس بعد رفع عيسى عليهالسلام بمقدار أربعين سنة ولم يترك في مدينة بيت المقدس حجرا على حجر فخرج عند ذلك قريظة والنضير إلى الحجاز فهذا كله مما جازاهم الله تعالى على تكذيب المسيح وقصد قتله. (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) بالموت والخطاب لعيسى ومن آمن معه ومن كفر به (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٥٥) أي تخاصمون في الدين (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسوله (فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا) بالقتل والسبي والجزية والذلة (وَالْآخِرَةِ) بالنار (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٥٦) أي مانعين من عذاب الله في الدنيا والآخرة (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله والكتاب وبنبوة عيسى وبنبوة محمد (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) أي فيوفرهم أجورهم وأعمالهم في الجنة (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (٥٧) أي لا يريد إيصال الخير إلى المشركين.
وقرأ حفص عن عاصم «فيوفيهم» بالياء والفاعل راجع إلى الله. والباقون بالنون (ذلِكَ) أي خبر عيسى (نَتْلُوهُ عَلَيْكَ) أي ننزل عليك جبريل به (مِنَ الْآياتِ) أي من آيات القرآن أو من العلامات الدالة على ثبوت رسالتك (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) (٥٨) أي الذي ينطق بالحكمة أو المحكم فإن القرآن ممنوع من تطرق الخلل إليه.
وروي أنه حضر وفد نجران على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا له : ما شأنك تذكر صاحبنا وتسبه فقال : «من هو؟» قالوا : عيسى. قال : «وما أقول» قالوا : تقول إنه عبد ، قال : «أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول». فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنسانا قط من غير أب ومن لا أب له فهو ابن الله ثم خرجوا من عنده صلىاللهعليهوسلم فجاء جبريل فقال : قل لهم إذا أتوك (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ) أي إن صفة تخلق عيسى في تقدير الله وحكمه بلا أب (كَمَثَلِ آدَمَ) أي كصفة قالب آدم (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) بلا أب وأم (ثُمَّ قالَ لَهُ) أي لآدم (كُنْ فَيَكُونُ) (٥٩) أي نفخ فيه الروح. وكذلك عيسى قال له : كن من غير أب فكان ولدا بلا أب ، فإذا كان آدم كذلك ولم يكن ابنا لله فكذلك عيسى فمن لم يقر بأن الله خلق عيسى من غير أب مع إقراره بخلق آدم بغير أب وأم فهو خارج عن طور العقلاء. وأيضا إذا جاز أن يخلق الله آدم من التراب فجواز خلق الله تعالى عيسى من دم مريم من باب أولى فإن تولد الحيوان من الدم الذي يجتمع في رحم الأم أقرب إلى العقل من تولده من التراب اليابس. (الْحَقُ) أي الذي أنزل عليك من خبر عيسى أنه لم يكن الله ولا ولده ولا شريكه هو (مِنْ رَبِّكَ) والباطل من النصارى واليهود فالنصارى قالوا : إن مريم ولدت