لي من توبة؟ ففعلوا فأنزل الله هذه الآية فبعث إليه أخوه الجلاس مع رجل من قومه فأقبل إلى المدينة ، وتاب على يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقبل الرسول توبته وحسن إسلامه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله (بَعْدَ إِيمانِهِمْ) بالله (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) أي ثم أصروا على الكفر (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) ما أقاموا على ذلك. قال القاضي والقفال وابن الأنباري : لما قدم الله تعالى ذكر من كفر بعد الإيمان وبيّن أنه أهل اللعنة إلا أن يتوب. ذكر في هذه الآية أنه لو كفر مرة أخرى بعد تلك التوبة فإنها تصير غير مقبولة ، وكأنها لم تكن. والتقدير إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم فإن كانوا كذلك ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم (وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) (٩٠) على سبيل الكمال عن الهدى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله والرسول (وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) بالله والرسول (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ) أي مقدار ما يملأ الأرض مشرقها ومغربها (ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ).
قال الزجاج : إن «الواو» للعطف. والتقدير لو تقرب إلى الله في الدنيا بملء الأرض ذهبا لم ينفعه ذلك مع كفره ، ولو افتدى من العذاب في الآخرة بملء الأرض ذهبا لم يقبل منه. أو المراد بـ «الواو» التعميم في الأحوال كأنه قيل : لن يقبل من الكافر في جميع الأحوال في الآخرة ولو في حال افتدائه نفسه في الآخرة (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٩١) في دفع العذاب عنهم أو في تخفيفه (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) أي الثواب والجنة أو لن تبلغوا إلى التوكل والتقوى (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) من أموالكم وعملكم وجاهكم في معاونة الناس وبدنكم في طاعة الله ومهجتكم في سبيله (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ) تريدون به وجه الله أو مدحة الناس (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (٩٢) هذا تعليل للجواب المحذوف أي فيجازيكم بحسبه جيدا كان أو رديئا فإنه تعالى عالم بكل شيء تنفقونه من ذاته وصفاته علما كاملا بحيث لا يخفى عليه شيء (كُلُّ الطَّعامِ) أي كل طعام حلال على محمد وأمته (كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي كان حلالا أكله على أولاد يعقوب (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) أي يعقوب (عَلى نَفْسِهِ) بالنذر (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) على موسى وذلك بعد إبراهيم بألف سنة.
روى ابن عباس أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إن يعقوب مرض مرضا شديدا فنذر لئن عافاه الله ليحرمن أحب الطعام والشراب عليه ، وكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها» (١). قال الأصم : لعل نفسه كانت مائلة إلى أكل تلك الأنواع فامتنع من أكلها قهرا للنفس وطلبا لمرضاة الله تعالى ـ كما يفعله كثير من الزهاد ـ فعبّر عن ذلك الامتناع بالتحريم. وروي أن اليهود قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : إنك تدّعي أنك على ملة إبراهيم فكيف تأكل لحوم الإبل وألبانها مع أن
__________________
(١) رواه أحمد في (م ١ / ص ٢٧٣).